الجامعات والاستثمار في أزمة كورونا
على عكس المتوقع، وقفت جامعات وكليات موقفا يشبه المستثمر فى أزمة كورونا على حساب الطلاب، الذين توقعنا تخفيفا منها عنهم وأهاليهم مع تصور جديد لخطة تعليم عن بعد، أو إنشاء منصات إلكترونية حقيقية يجيد التعامل معها أعضاء هيئات التدريس قبل الطلاب.
مباشرة، ذهبت جامعات إلى جلب مكاسب، واعتبرت أي تعليق عليها واستجابة له مجرد شائعات مغرضة حذرت منها طلابها، فقررت كليات تابعة لها فرض "شراء" نسخ الكتب الجامعية فى صورتها "الإلكترونية"، مسبقا، وسداد رسومها بضمها إلى المصروفات الدراسية السنوية المقررة، رغم أن الطالب الجامعي "باحث" لا يحق لأي من أعضاء هيئات التدريس فرض مطبوع بمختلف صوره عليه، ولا يحق له سوى تحديد موضوع البحث محل الحوار داخل المحاضرات مع الطلاب.
الأمر فى حد ذاته يمثل جورا على حقوق الملكية الفكرية لأعضاء هيئات التدريس ذاتهم، حينما تعتبر الجامعات مؤلفاتهم مستباحة للنسخ والبيع والتعاقد عليها مع الغير دون حضورهم طرفا فى العقد أو إجبارهم ماديا أو معنويا على ذلك، أو تحصيل نسب لصالح خزانة الدولة أو الجامعات ذاتها من حصيلة البيع حال وافق أصحاب حقوق الملكية الفكرية على الأمر.
محكمة الهاشتاج والجريمة الضاحكة
ثم إن دور الجامعة هنا به تداخل غير مقبول في علاقة الأستاذ بالباحث، وهما ركنان أساسيان من تعليم حر مستقل له ضماناته التى نادينا بحمايتها لعقود مضت، وسعينا لتحريرها وصون استقلال الجامعات من تدخلات الإدارة وأية أجهزة كانت، إلا أن ظروفا ما نعيشها حاليا جعلت بعض القائمين على الجامعات يتناسون أدوارهم الحقيقية فى حدود قانون تنظيمها ولائحته.
فوجئت بصفحة على موقع فيس بوك تخص كلية تهمني، وأنا خريج قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة عين شمس، تعلن عن تحصيل مصروفات الدراسة للعام الجديد مضافة إليها قيمة الكتب المطبوعة على CD ، دون لائحة أو قانون يجيز لإدارة الكلية ذلك، وبعد ساعات من احتجاج الطلاب علقت الجامعة، التابعة لها نفس الكلية، على صفحتها الرسمية ببيان لم أفهم منه سوى نيتها الإتجاه نحو دعم الطلاب "غير القادرين" على الدفع، وكأنها تفجر مفاجأة غير متوقعة وتبشر الصابرين على أحوالهم بالمعونات.
الموقف ذكرني بأكذوبة القروض الطلابية بقيمة 100 مليون جنيه التى روجت لها حكومة عاطف عبيد قبل نحو 20 سنة، وداخل الجامعة انتشرت استمارة طلب الحصول على مبلغ قرض قيمته ألف جنيه متاحة للفقراء المبشرين به، وحينما دققت فى الأمر وجدت أن مصادر تمويلها لحكومة تدعى الفقر من ثلاثة "ميزانية الإنفاق على التعليم الجامعي، الصناديق العربية للتنمية، وأموال الزكاة"، أي أن مصدرين منهما يمثلان حقا أصيلا للطالب غير المقتدر، ولا يجوز لأحد مطالبته برد ما ناله منهما.
ودائما ما كان غير المقتدرين من طلاب الإنتساب ويسددون وقتئذ مبلغ 380 جنيها، والانتظام يسددون نحو ثلثه حسبما أتذكر، يستطيعون الحصول تلقائيا على دعم يزيل أية عقبات أمام دراستهم، يقدمه جهاز رعاية الشباب وصندوق التكافل الاجتماعي، بجانب منح مبالغ خاصة للحالات الأشد يعتمدها رئيس الجامعة ذاته، بخلاف تطبيق دعم الكتاب الجامعي فى مادتين على الأقل كل فصل دراسي.
سوق العمل ومكتب التنسيق
أنتجت حالة الحوار المستمر والناضج بين الطالب والأستاذ أجيالا قادرة على الفعل والمشاركة والاختيار، بشيء من الإنضباط الإداري وتطبيق فعلي لدور الجامعات والكليات فى حدود القانون، وقتها كانت لاجتماعات رؤساء ونواب مجلس الجامعة، ومجلس الكلية، ومجلس القسم، هيبتها الكاملة وروح الحوار المنضبط فى إتجاه تطبيق القانون وحماية مصالح وحقوق الطلاب، ونتمناها حالة مستمرة.
فى أزمة كورونا، شهدنا بيع "كمامات بئر السلم" أمام كل كيان فى مصر وصلت حد استبدال الكمامة الواحدة من قبل مؤجرها لمواطنين مترددين على مصلحة حكومية، هؤلاء تلاحقهم جهات رقابية حماية لصحة المواطن، لكننا لم نشهد وزارة الصحة وقد قررت فرض بيع كمامات تصنعها بنفسها على المرضى والمواطنين المترددين على مستشفياتها.
هكذا يكون الرد على بيان أي جامعة، يرى أن الخطر على حقوق الملكية الفكرية لأعضاء هيئات التدريس يتلخص فى ماكينة تصوير مستندات داخل "محل الدباديب" المجاور لنفق الزعفران مثلا، وليس أقل من تذكير المتجاهلين مواقف أعضاء هيئات التدريس الرافضين لتلك القرارات، سوى أن الأخيرين أنفسهم مسؤولون عن حماية إبداعهم ومؤلفاتهم، وطرحها للنقاش داخل محاضراتهم، وأن الطلاب ذاتهم يحق لهم شراء نسخ منها أو تمييز الأفضل فى نفس موضوع البحث، بغض النظر عن مستوى الطالب المادي.
فكرة جديدة تتسق ورؤية المنتفعين من الأزمة، لماذا لا تفرضون على الطلاب غير المقتدرين ركوب المترو بالتحديد دون غيره من وسائل المواصلات، وتحصلون منهم على رسوم نظير وضع شعار الجامعة على استمارات الاشتراكات به، وتتعاقدون مع شركة تشغيل المترو على نسبة من حصيلة اشتراكات الطلاب السنوية معها؟
أعتقد أنه اقتراح مرفوض من طرفكم نعتذر عنه، لأنكم سترون به شبهة تحولكم إلى دور "السمسار" بعيدا عن دوركم الأكاديمي وهيبة مكانتكم العلمية، ولأبنائنا الطلاب وذويهم كل الاعتذار عن تقدير ظروفهم الاجتماعية مقدما على طريقة بياناتكم.
مباشرة، ذهبت جامعات إلى جلب مكاسب، واعتبرت أي تعليق عليها واستجابة له مجرد شائعات مغرضة حذرت منها طلابها، فقررت كليات تابعة لها فرض "شراء" نسخ الكتب الجامعية فى صورتها "الإلكترونية"، مسبقا، وسداد رسومها بضمها إلى المصروفات الدراسية السنوية المقررة، رغم أن الطالب الجامعي "باحث" لا يحق لأي من أعضاء هيئات التدريس فرض مطبوع بمختلف صوره عليه، ولا يحق له سوى تحديد موضوع البحث محل الحوار داخل المحاضرات مع الطلاب.
الأمر فى حد ذاته يمثل جورا على حقوق الملكية الفكرية لأعضاء هيئات التدريس ذاتهم، حينما تعتبر الجامعات مؤلفاتهم مستباحة للنسخ والبيع والتعاقد عليها مع الغير دون حضورهم طرفا فى العقد أو إجبارهم ماديا أو معنويا على ذلك، أو تحصيل نسب لصالح خزانة الدولة أو الجامعات ذاتها من حصيلة البيع حال وافق أصحاب حقوق الملكية الفكرية على الأمر.
محكمة الهاشتاج والجريمة الضاحكة
ثم إن دور الجامعة هنا به تداخل غير مقبول في علاقة الأستاذ بالباحث، وهما ركنان أساسيان من تعليم حر مستقل له ضماناته التى نادينا بحمايتها لعقود مضت، وسعينا لتحريرها وصون استقلال الجامعات من تدخلات الإدارة وأية أجهزة كانت، إلا أن ظروفا ما نعيشها حاليا جعلت بعض القائمين على الجامعات يتناسون أدوارهم الحقيقية فى حدود قانون تنظيمها ولائحته.
فوجئت بصفحة على موقع فيس بوك تخص كلية تهمني، وأنا خريج قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة عين شمس، تعلن عن تحصيل مصروفات الدراسة للعام الجديد مضافة إليها قيمة الكتب المطبوعة على CD ، دون لائحة أو قانون يجيز لإدارة الكلية ذلك، وبعد ساعات من احتجاج الطلاب علقت الجامعة، التابعة لها نفس الكلية، على صفحتها الرسمية ببيان لم أفهم منه سوى نيتها الإتجاه نحو دعم الطلاب "غير القادرين" على الدفع، وكأنها تفجر مفاجأة غير متوقعة وتبشر الصابرين على أحوالهم بالمعونات.
الموقف ذكرني بأكذوبة القروض الطلابية بقيمة 100 مليون جنيه التى روجت لها حكومة عاطف عبيد قبل نحو 20 سنة، وداخل الجامعة انتشرت استمارة طلب الحصول على مبلغ قرض قيمته ألف جنيه متاحة للفقراء المبشرين به، وحينما دققت فى الأمر وجدت أن مصادر تمويلها لحكومة تدعى الفقر من ثلاثة "ميزانية الإنفاق على التعليم الجامعي، الصناديق العربية للتنمية، وأموال الزكاة"، أي أن مصدرين منهما يمثلان حقا أصيلا للطالب غير المقتدر، ولا يجوز لأحد مطالبته برد ما ناله منهما.
ودائما ما كان غير المقتدرين من طلاب الإنتساب ويسددون وقتئذ مبلغ 380 جنيها، والانتظام يسددون نحو ثلثه حسبما أتذكر، يستطيعون الحصول تلقائيا على دعم يزيل أية عقبات أمام دراستهم، يقدمه جهاز رعاية الشباب وصندوق التكافل الاجتماعي، بجانب منح مبالغ خاصة للحالات الأشد يعتمدها رئيس الجامعة ذاته، بخلاف تطبيق دعم الكتاب الجامعي فى مادتين على الأقل كل فصل دراسي.
سوق العمل ومكتب التنسيق
أنتجت حالة الحوار المستمر والناضج بين الطالب والأستاذ أجيالا قادرة على الفعل والمشاركة والاختيار، بشيء من الإنضباط الإداري وتطبيق فعلي لدور الجامعات والكليات فى حدود القانون، وقتها كانت لاجتماعات رؤساء ونواب مجلس الجامعة، ومجلس الكلية، ومجلس القسم، هيبتها الكاملة وروح الحوار المنضبط فى إتجاه تطبيق القانون وحماية مصالح وحقوق الطلاب، ونتمناها حالة مستمرة.
فى أزمة كورونا، شهدنا بيع "كمامات بئر السلم" أمام كل كيان فى مصر وصلت حد استبدال الكمامة الواحدة من قبل مؤجرها لمواطنين مترددين على مصلحة حكومية، هؤلاء تلاحقهم جهات رقابية حماية لصحة المواطن، لكننا لم نشهد وزارة الصحة وقد قررت فرض بيع كمامات تصنعها بنفسها على المرضى والمواطنين المترددين على مستشفياتها.
هكذا يكون الرد على بيان أي جامعة، يرى أن الخطر على حقوق الملكية الفكرية لأعضاء هيئات التدريس يتلخص فى ماكينة تصوير مستندات داخل "محل الدباديب" المجاور لنفق الزعفران مثلا، وليس أقل من تذكير المتجاهلين مواقف أعضاء هيئات التدريس الرافضين لتلك القرارات، سوى أن الأخيرين أنفسهم مسؤولون عن حماية إبداعهم ومؤلفاتهم، وطرحها للنقاش داخل محاضراتهم، وأن الطلاب ذاتهم يحق لهم شراء نسخ منها أو تمييز الأفضل فى نفس موضوع البحث، بغض النظر عن مستوى الطالب المادي.
فكرة جديدة تتسق ورؤية المنتفعين من الأزمة، لماذا لا تفرضون على الطلاب غير المقتدرين ركوب المترو بالتحديد دون غيره من وسائل المواصلات، وتحصلون منهم على رسوم نظير وضع شعار الجامعة على استمارات الاشتراكات به، وتتعاقدون مع شركة تشغيل المترو على نسبة من حصيلة اشتراكات الطلاب السنوية معها؟
أعتقد أنه اقتراح مرفوض من طرفكم نعتذر عنه، لأنكم سترون به شبهة تحولكم إلى دور "السمسار" بعيدا عن دوركم الأكاديمي وهيبة مكانتكم العلمية، ولأبنائنا الطلاب وذويهم كل الاعتذار عن تقدير ظروفهم الاجتماعية مقدما على طريقة بياناتكم.