سوق العمل ومكتب التنسيق
لم تعد الحياة؛ ولا سوق العمل؛ تعتمد فكرة أو نظام مكتب التنسيق لضمان فرص تفوقك ونجاحك، ولم تثبت تجربة معاصرة أن سباق تحصيل الدرجات فى امتحانات الثانوية العامة أتى بمتفوقين إلى قمة المجتمع عبر كليات بعينها.
كلماتى أوجهها إلى أبنائنا طلاب الثانوية العامة الذين انزعجوا بسبب ضعف درجات كثيرين منهم هذا العام، الاستثنائي كما عاشته عائلاتهم لسببين، أولهما طوارئ امتحاناتهم، والثانى حضور جائحة كورونا داخل بيوتنا.
لم يعد سوق العمل بحاجة إلى كلية قمة بحسب ترتيبها بمكتب التنسيق حتى تأمل فى فرصة أفضل من خلالها، فلم تعد كلية الطب مغرية مثلا وهى أولى الكليات بتصنيف مكتب التنسيق، فى مقابل كلية الحقوق مثلا وهى تقبل إنضمامك بمجموع أقل.
لم تعد كلية الهندسة تضمن فرصا أفضل لخريجيها من كلية التجارة أو ينال خريجو الفنون التطبيقية حظا أوفر من طلبة مدارس فنية زخرفية، ولم يعد طلاب الإعلام والصحافة مميزون بتخصصهم عن طلبة الآداب بكافة أقسامهم، ولن تجد فى وظيفة حكومية بجهة سيادية عليا أو إحدى السلطات الثلاث بالدولة تمييزا على مبادئ مكتب التنسيق.
هذا ما أود لفت الانتباه إليه ليخفف كل منا وطأة نتائج غير متوقعة على نفسه وأبنائه، خاصة إذا ما أدركنا أن نجاحا حقيقيا فى سوق العمل يتطلب مهارات فنية محددة مطلوبة، ومهارات شخصية تعتمد على إثبات الذات والحضور المجتمعي.
حتى الكثير من المهارات التخصصية لمهن باتت على المشاع، كالصحافة والتدريس والإرشاد والفنون والبناء وغيرها، أصبحت تعتمد على مهارات الراغبين فى ممارستها أكثر من الدراسة، ولم يعد التفوق فى الثانوية العامة معيارا للحكم على صحة اختيار الطالب لكلية قمة بعينها وتفضيلها بموجب المجموع وسياسات مكتب التنسيق على غيرها.
كثير من المهن أضير أصحابها بفعل جائحة كورونا، توقف مهندسون ومات أطباء وممرضون ونشطت أعمال أخرى فى المجتمع، تغيرت الحياة ومعها سلوكيات بشر وباتت علمية ضمان قوت اليوم مقدمة على طموح الثراء لدى كثيرين، وكانت الوظيفة لدى جهات بعينها الضمانة الوحيدة لاستقرار الأغلبية بغض النظر عن تخصصاتهم.
الدكتوراه "الفشخرية" وسفراء النوايا السيئة
تبدلت الأنشطة فتوقفت الثقافية منها والفنية ومعها تأثرت مهن شتى، بينما نشطت حركة التجارة أون لاين والبيع بالتوصيل للمنازل، وزادت مشكلات كثيرين فقرروا بضغط الجائحة حلها عبر المحاكم فكان للمحامين حضورهم وتصدرهم المشهد، وهكذا الحال فى أمور شتى يلعب أرباب كل تخصص دورهم متى تحين الفرصة لهم، ويغير كثيرون أنشطتهم ومجالات عملهم فى منتصف الطريق بحثا عن حال أفضل.
قسوة شديدة على أبنائنا أجدها فى عيون آباء من لم يحصد بعضهم مجموعا مرتفعا فى امتحانات لا تدل بالمرة على قدراته الحقيقية، وصدمة أكبر سيكونوا جميعا بانتظارها داخل منظومة التعليم الجامعي التى لم تعد تفرق كثيرا عن السابق عليه.
الاهتمام باكتساب مهارات سوق العمل ودعم المهارات الشخصية وتأكيد حضور الذات داخل مجال يرغبه المرء؛ أفضل من البكاء على معركة تحصيل الدرجات التى كتبت علينا جميعا، وسيكون لأبنائنا المؤهلين بتلك المهارات فرصا أكبر وشأنا أعظم متى أدركوا ذلك.
ألف مبروك لكل ناجح فى امتحانات الثانوية العامة وغيرها، ولتكن حياتكم أفضل وفرصكم وحظكم أوفر منا جميعا إن شاء الله.