رئيس التحرير
عصام كامل

"الثنائي الشيعي".. فتنة لبنان

وضع الرئيس اللبناني ميشال عون، إصبعه على الجرح الغائر، واعترف صراحة بوجود خلاف مع حليفيه "الثنائي الشيعي"، حسن نصرالله أمين عام "حزب الله" ونبيه بري رئيس البرلمان زعيم "حركة أمل"، بشأن إصرارهما على تمثيل الطائفة في الحكومة المرتقبة..


وأن تكون وزارة المالية من حصتهما كالعادة، مما أعاق تأليف الحكومة وانتهت المهلة التي حددها الرئيس ماكرون بأسبوعين دون نتيجة، ولولا اتصال من الرئاسة الفرنسية لكان اعتذر رئيس الوزراء المكلف مصطفى أديب عن المهمة، لأن أديب اشترط تشكيل حكومة إنقاذ مصغرة من اختصاصيين بعيدة تماما عن الأحزاب والتكتلات السياسية، وهو ما وافق عليه زعماء الطوائف اللبنانية في حضور الرئيس ماكرون عند زيارته الثانية لبيروت في أقل من شهر إثر انفجار المرفأ، لكن بمجرد مغادرته تبدلت المواقف وعادت نغمة المحاصصة وتعرقلت مهمة تأليف الحكومة مع تعنت "الثنائي الشيعي" ما ينذر بفتنة لن يتحملها البلد.
"الميليشيا والمافيا" تهددان وجود لبنان
وسط انسداد أفق الحل، قال الرئيس المكلف، مصطفى أديب، إن "لبنان لا يملك ترف إهدار الوقت وسط كم الأزمات غير المسبوقة، وينبغي الإسراع بتشكيل حكومة، لإخراج البلد من أسوأ أزمة يعيشها، كما أن أوجاع اللبنانيين التي يتردد صداها على امتداد الوطن وعبر رحلات الموت في البحر، تستوجب تعاون جميع الأطراف لتسهيل تأليف حكومة إنقاذ".

انقضاء المهلة الفرنسية لتشكيل الحكومة ومن بعدها التمديد لأيام وإعراب فرنسا عن أسفها لعدم إلتزام زعماء لبنان بتعهداتهم للرئيس ماكرون، ومع تلويح أديب بالإعتذار في أي لحظة، جعل الرئيس عون يعلن بوضوح في مؤتمر صحافي أن "لبنان يحتاج معجزة لتأليف الحكومة ولا حل في الأفق لتشكيل قريب أمام تمسك كل طرف برأيه، فالرئيس المكلف يريد حكومة مصغرة من اختصاصيين..

بينما يصر الثنائي حزب الله وحركة أمل، على تسمية وزراء شيعة من بينهم وزير المال، في حين أن الدستور اللبناني لا ينص على تخصيص أي وزارة لأي طائفة، لذا علينا البدء بإلغاء التوزيع الطائفي للوزارات السيادية، لأننا إن لم نسرع بتشكيل الحكومة فإن البلد رايح على جهنم!".

بدا من إطلالة الرئيس عون، مدى التعب والإرهاق على وجهه، مع هذا استنكرت أصوات عدة قوله إن "البلد رايح على جهنم إن لم نسرع بتشكيل الحكومة"، ونسى الجميع أن عون انتقد علنا للمرة الأولى حليفيه حسن نصرالله ونبيه بري، وأنهما وراء تعطيل البلد بإصرارهما على تسمية وزراء شيعة والاستحواذ على وزارة المالية، كما لم يكتف عون بشرح المواقف وأسباب الأزمة بل طرح الحل تسهيلا لمهمة رئيس الوزراء المكلف مصطفى أديب، حتى يخرجه من المأزق الراهن مع "الثنائي الشيعي"، بأن دعاه إلى الاحتكام للدستور وإلغاء التوزيع الطائفي للوزارات السيادية.
الخناق يضيق على "حزب الله"
استبقت الفنانة إليسا، مؤتمر الرئيس عون بإيجاز حال لبنان في تغريدة بليغة: "ببساطة، أصبحنا والبلد معنا رهائن بانتظار التحرير، أو رهن الموت سريرياً، أو اغتيالاً، أو يأساً (وقرفاً)، أو فقراً (وعوزاً)، أو هجرة!".

أما أبرز الموقف وأكثرها صراحة فجاءت من البطريرك بشارة الراعي، إذ رفض مطالبة أي طائفة بوزارة كأنها ملك لها، وتعطيل تأليف الحكومة، حتى تنال مبتغاها، وقال "يا رئيس الحكومة المكلف ندعوك للتقيد بالدستور، وعدم الخضوع لشروط أحد، تحملك المسؤولية في هذه الظروف موقف وطني، ومَن أيدوك انما فعلوا ذلك لتشكل حكومة لا لتَعتذِر، فأنت لست وحدك، كما أننا لسنا مستعدين لتقديم تنازلات على حساب الخصوصية اللبنانية والديمقراطية ولن نبحث تعديل النظام قبل أن تدخل كل المكونات اللبنانية في كنف الشرعية وتتخلى عن مشاريعها الخاصة ولن يحدث تعديل في ظل وجود دويلات وهيمنة السلاح غير الشرعي أيا كان من يحمله".

ورأى البطريرك الراعي، ان "إعادة النظر في النظام لن يتم إلا بعد تثبيت حياد لبنان، وتحييده عن الأحلاف والنزاعات والحروب الإقليمية والدولية؛ وسيادة الدولة على كامل أراضيها بقواتها المسلحة فقط دون سواها، وانصراف لبنان إلى ممارسة سياسته الخارجية ودوره الخاص في قلب الأسرة العربية، لجهة حقوق الشعوب، وأولها الحقوق الفلسطينية وعودة اللاجئين والنازحين إلى أوطانهم، والتقارب والتلاقي والاستقرار".

هجوم البطريرك بشارة الراعي، غير المسبوق على "حزب الله وحركة أمل"، رد عليه بعنف مماثل المفتي الشيعي أحمد قبلان، قائلا: ان "الحكومة ليست ملكا لشخص والبلد ليس حكرا على أحد، والنظام السياسي فاشل والتطوير ضروري، وما نطالب به من تغيير سببه صيغتكم الطائفية، التي ما زلتم مصرين عليها، وأنتم بالخيار بين دولة مدنية للجميع أو دولة طوائف تتقاسم البلد والناس؛ والشجاع من يمشي بخيار الدولة المدنية بصيغة المواطن لا الطوائف، وما دامت الحصص توزع حسب الطائفة فإننا نحتكم لمبدأ المعاملة بالمثل، ولن نقبل بإلغاء طائفة كاملة، على خلفية عصا أميركية وجزرة فرنسية".
خريف الرعب في الولايات المتحدة
وعاد المفتي الشيعي إلى نغمة سلاح المقاومة وتحرير لبنان "لن نسير في لعبة القتل الدولية أو الإقليمية أو المحلية، ولن نسمح لهذا البلد أن يكون ضحية أحقاد أو فخوخ، على أن السلاح الذي ترميه طيلة هذه الأيام هو الذي حرر هذا البلد وأمن سيادته وأعاده إلى الخريطة، وما زال يفعل ذلك ضمانا للبنان واللبنانيين..

البلد والمنطقة كلها جمر تحت الرماد، لذلك لا تلعبوا بالتوازنات، ولا تزيدوا أزمات البلد لهيبا، لأن ما يجري في لبنان سببه حرب العالم في المنطقة، فيما واشنطن تخوض حرب أمركة لبنان وتهويده، وتعمل على تفخيخه من الداخل على قاعدة المال مقابل الاستسلام. وخيارنا هو لا استسلام حتى لو اجتمع العالم على حصارنا ما دام موقفنا يرتكز على مصلحة لبنان بكل طوائفه ومناطقه ومفهوم سيادته الحر والآمن".

ظل "الثنائي الشيعي" على موقفه، وأبلغ كل من سعى لتقريب وجهات النظر، بأنه لن يشارك في الحكومة المرتقبة، إلا إذا حصل على حقيبة المالية وتمثيل الشيعة بين الوزراء، وهذا قرار لا رجعة عنه مهما كلف الأمر، رغم الاعتراض السني والمسيحي والدرزي على ما يحاول "الثنائي الشيعي" فرضه من أعراف جديدة في ظرف قاهر وغير مسبوق لبنانيا.

ولم تخف قيادات سياسية لبنانية قلقها من أن يكون "الثنائي الشيعي" يتعمد إطالة أمد عدم تأليف الحكومة اللبنانية بإيعاز من إيران، حتى موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، لمعرفة هوية رئيس الولايات المتحدة، حتى تضمن إيران استمرار الوصاية على لبنان عن طريق "حزب الله" وعدم استقلاله عنها وعودته إلى محيطه العربي مثلما يريد الشعب وكثير من دول العالم.


الجريدة الرسمية