الخناق يضيق على "حزب الله"
أعلنت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان حكمها أمس، في قضية اغتيال رئيس حكومة لبنان الأسبق رفيق الحريري، وأدانت سليم عياش القيادي في "حزب الله" بالقتل وارتكاب عمل إرهابي يتصل باغتيال الحريري و21 آخرين..
أكدت المحكمة تورط مصطفى بدر الدين، القائد العسكري
السابق لحزب الله، في التخطيط والتنفيذ، لكنها أوقفت ملاحقته بعد مقتله في سورية العام
2016، كما برأت 3 عناصر من "حزب الله" لعدم كفاية الأدلة، ورأت المحكمة الدولية
أن "اغتيال الحريري عملية إرهابية تم تنفيذها لأهداف سياسية، وأن سورية وحزب الله
لهما دوافع ومصالح لتصفية الحريري، لكن لا دليل على تورطهما المباشر، خصوصا أن الأمن
اللبناني أزال أدلة مهمة من موقع التفجير والتحقيق كان فوضويا".
مراوغة وتستر "الصحة العالمية"
وبانتظار اصدار الحكم
النهائي واستكمال بقية قضايا الاغتيالات، نجد التعقيدات تلف انفجار مرفأ بيروت المروع. من هنا كانت المطالبة بتحقيق دولي، لأن تخزين 2750 طن متفجرات في مرفأ
العاصمة وسط السكان، يضع قائمة طويلة من رموز السلطة في دائرة الإتهام من إدارة المرفأ،
إلى الجهات الأمنية، رؤساء الحكومات المتعاقبة، لأن الجميع كان يعلم بخطورة الوضع ولم يتخذا قرارا بشأن أطنان المتفجرات..
وأخيرا "حزب الله" المسيطر على المرفأ ومطار بيروت الدولي، رغم نفي حسن نصر الله علمه بالأمر، وتأكيده أن "معرفتنا كحزب بما يحدث في مرفأ حيفا الإسرائيلي تفوق بكثير معرفتنا بما يجري في مرفأ بيروت".
الخسائر الفادحة التي خلفها الانفجار المروع جعلت الشعب اللبناني يستدعي الاستعمار مجددا، إذ كان في استقبال الرئيس الفرنسي ماكرون أكثر من 60 ألف توقيع لبناني، يطالبون بعودة الانتداب الفرنسي إلى لبنان لمدة 10 سنوات حتى ينصلح الحال، وللمرة الأولى يعلو الهتاف لتغيير النظام، بحضور الرئيس عون نفسه عند تفقده موقع الانفجار مع ماكرون.
كما أنها المرة الأولى
التي يتجرأ فيها الشعب بجميع طوائفه، على التطاول وشتم حسن نصر الله علناً، والدعوة
إلى إسقاطه وحزبه، لأنه تسبب في انهيار لبنان ورهنه كاملا لدى إيران.
في هذا الصدد، جرى
تداول فيديو يعود إلى 30 سنة مضت، يقول فيه نصر الله: "مشروعنا أن يكون لبنان
جزء من الجمهورية الإسلامية الكبرى، التي يحكمها الولي الفقيه الإمام الخميني"..
ثم يؤكد في فيديو حديث أن "موازنة حزب الله ومعاشاته ومصاريفه وأكله وشربه وسلاحه
وصواريخه من الجمهورية الإسلامية في إيران".
خريف الرعب في الولايات المتحدة
لم ينس الشعب اللبناني
مشهد حسن نصر الله "باكياً" عند اغتيال الإيراني قاسم سليماني ومن معه مطلع
العام الجاري، مهدداً أميركا برد مزلزل، لذا أعادوا نشر الفيديو متبوعاً برأيه
"الهادئ" في انفجار مرفأ بيروت وضحاياه من اللبنانيين، وهو ما أشارت إليه
الفنانة إليسا "لا أثق في حزب الله، خصوصا بعدما تعامل حسن نصر الله بخفة مع الشهداء
اللبنانيين في تفجير مرفأ بيروت، وأجهش بالبكاء على رحيل قاسم سليماني"، ثم عادت
ورفعت سقف الانتقاد إلى السب بعدما هدد نصر الله اللبنانيين جميعا ودعا إلى حرب إسرائيل،
في كلمته الجمعة الماضية.
وردت الفنانة نوال
الزغبي على كلمته: "شو هالوقاحة، انو بعدكم عّم تتصدروا الشاشات وتهددوا وتحكوا
من مبدأ المنتصرين.. أسلوبكم ما رح يخلينا نطلع من واقعنا البشع ولا رح ينسّينا وجع
بيروت.. الناس كرهوكم ونبذوكم وقرفوا منكم وانتوا ما عم تحسّوا.. جاييكن يوم".
ونادت الكاتبة والممثلة
كارين رزق الله، بالسلام والحياة "بتصور حقنا كشعب نقرر إذا عبالنا نحارب ونموت
أو لا!.. مش مسموح لأي إنسان يآخد عنا قرار الحرب!، ونحنا للصراحة ما بدنا نموت.. نحنا
مع ثقافة الحياة والسلام.. شبعنا موت!".
مأزق "حزب الله"
تمدد إلى الضاحية الجنوبية التي يقطنها غالبية الشيعة، وتسيطر عليها ميليشيا نصر الله،
ما يكشف أنه بات في أضعف حالاته وفقد الكثير من نفوذه، رغم احتفاظه بالقوة والسلاح،
فبعد أن كان أنصار الحزب يتحفظون عن المجاهرة بانتقاده، إلا أن الأصوات ارتفعت أخيرا،
إذ اعتبرت إحدى سكان النبطية جنوب لبنان "خطابات نصر الله عن المقاومة ضد إسرائيل،
غسل أدمغة، وهذه الشعارات لن تطعمنا أو تؤمّن مستقبل أطفالنا، لقد تسببوا بكل ما حصل
راهناً في لبنان".
ورأى أحد النشطاء
الشيعة، أن "حزب الله" يمول شبكاته ويدفع رواتب مقاتليه بالدولار وهو عملة
نادرة في لبنان هذه الأيام، ما زاد الطبقية بين من يتقاضون رواتبهم بالدولار من نصر
الله وبين أبناء الشيعة ممن انهارت مكاسبهم مع انهيار الليرة اللبنانية. واعتبر نصر
الله شريكا في الفساد ما دام يتحالف مع كبار الفاسدين في الحكم.
"قيصر" يخنق سورية
فطن نصر الله، إلى
فقده الكثير مع المطالبة بحكومة مستقلين تماما، لا تضم المنتمين إلى "حزب الله"
أو الأحزاب الأخرى لأنها سبب مأساة لبنان، فدعا أنصاره، في كلمته الأخيرة، إلى الاحتفاظ بهذا "الغضب إلى الأيام اللاحقة
لمنع جر البلاد إلى حرب أهلية"، وهو تهديد مبطن إلى جميع اللبنانيين يعيد إلى
الذاكرة ما فعله في السنوات الماضية.
أما إصرار نصر الله،
لتشكيل حكومة يشارك فيها جميع الأحزاب أو حكومة وحدة وطنية، فهو يعني أن الخناق يضيق
عليه ويحتاج إلى حكومة يتحكم فيها حتى "تحميه من غضب الشعب في الداخل وضغط الخارج
الذي يطالب بمحاسبته وإبعاده عن السلطة"..
خصوصا أن حكومة حسان دياب كانت مؤلفة
بكاملها من حلفاء "حزب الله" وأثبتت فشلا ذريعا، لأن لبنان معها كان معزولا،
والآن في ظل مأساة لبنان الاقتصادية والغذائية والمالية وأخيرا الإنسانية بعد انفجار
المرفأ، ينبغي تشكيل حكومة كفاءات مستقلة خارج منظومة "حزب الله" وحلفاء
إيران، تعيد الثقة الدولية والإقليمية إلى البلد الذي نخره الفساد عشرات السنين، حتى
يمكن تهدئة الشارع الثائر وبناء البلد المدمر.
لذا دعا البطريرك
بشارة الراعي، إلى "انتخابات نيابية مبكرة، وتشكيل حكومة جديدة، تنقض الماضي بفساده،
وأنه لا حكومة وحدة وطنية من دون وحدة فعلية داخلية، ولا حكومة إنقاذ من دون شخصيات
منقذة، ولا حكومة توافق من دون اتفاق على إصلاحات، فالشعب يمر بمحنة قاسية".