رئيس التحرير
عصام كامل

أين القرى العمرانية الجديدة؟

بدلا من تنمية الريف بجعله حضاريا رحنا نريف الحضر وخلقنا كيانات شائهة بأسوار عالية في مجتمعات مغلقة على أطراف العاصمة من الجهات الأربع فلا هي ريف ولا هي حضر..

 

فالقرية لم تعد قرية تمد المدن بالغذاء والألبان واللحوم بل أصبحت عبئا على المدينة، وإذا كان البناء على الأرض الزراعية جريمة وتدمير لمصنع دائم لإنتاج الغذاء لا يفنى ولا يبلى فإن تجاهل الدولة للتنمية العمرانية الريفية كان الدافع الرئيسي للبناء على الأرض الزراعية..
مجلس للشعب أم للنواب؟
طوال نصف قرن لم نسمع إن الدولة أنشأت إسكانا للفلاحين على أطراف القرى في الظهير الصحراوي كي يحتذي الناس بها، وكان الفلاحون هم الأولى بالمساكن الشعبية أو الريفية ولكن فيما يبدو لم يكن لهم نصيب في مبدأ الحق في السكن.

والمصيبة الكبرى التي ارتكبها مخططون تنمية الوطن أنهم نفذوا تنمية عمرانية حضرية بمعنى بناء مدن جديدة ولم يلتفتوا إلي التنمية العمرانية الريفية بمعنى بناء قرى جديدة بعد أن مات مشروع تنمية القرية الذي كان في عهد عبد الناصر، وبعده جاء الكفراوي بمشروع الألف قرية ولكن تمت إقالته قبل التنفيذ..

 

علما بأن سكان الحضر كان تعدادهم ٣٥٪ تقريبا من سكان مصر بينما الريف كان ٦٥٪، ومع ذلك تم إهماله فكان رد الفعل هو البناء العشوائي ثم البناء على الأرض الزراعية.

وصحيح أن التعدي على الأراضي الزراعية مرفوض، وسرقة أراضي الدولة على الطرق الصحراوية جريمة لأن ما خسرته مصر من أراض زراعية تجاوزت 1.2 مليون فدان، كانت تكفي لتحقيق الأمن الغذائي لأكثر من 25 مليون مواطن، في حالة قيام الأجهزة الحكومية خلال السنوات الماضية بالتصدي للتعديات لحماية الأمن الغذائي للمصريين، فأصبح الآن نصيب الفرد من الأرض الزراعية أقل من 1 من عشرة أفدنة..


الغربة وسنينها!

 
ولكن من ناحية أخرى فإن محاسبة الفلاح الذي بني بيتاً على قيراط أرض تلك الخطوة كان لا بد أن يسبقها محاسبة من نهبوا أراضي الدولة وغيروا نشاطها من زراعي إلى سكني. وهو ما أدى إلى فقد ١٢٪ من مساحة الأراضي الزراعية بسبب البناء المخالف، وهو يمثل كارثة قومية، لأن تلك الأرض هي التي تنتج لمصر الغذاء، ومع تزايد أعداد السكان لجأت الدولة لاستصلاح أراضي جديدة بديلة وهو ما يكلف الكثير من الأموال. وبالتالي لا بد من مراجعة القوانين المعنية بالبناء الموحد في القرى حتى لا يكون سببا في المزيد من التعديات على الأراضي الزراعية..

كذلك لا بد من قيام الحكومة بإجراء التعديلات اللازمة التي تسمح بالتوسع الرأسي في الحيز العمراني للقرى مع تطوير البنية التحتية سواء مياه شرب أو صرف صحي للتخفيف من الضغوط علي الأراضي الزراعية وحمايتها من أية تعديات قد تطرأ في المستقبل.

وهناك اقتراح بخلق قرى زراعية متخصصة تكون بمثابة تكتلات اقتصادية لمحاصيل بأماكن معينة لتخلق مدنا زراعية متكاملة تشمل سكنا وإنتاجا حيوانيا مشتركا وإنتاحا داجنيا وسمكيا ومصانع تقوم على هذه المحاصيل المجتمعة كمصانع الأعلاف والمربات والصلصة والمركزات والعصائر.. وكل ما يتعلق بالمحاصيل التي تصلح لكل منطقة لإضافة قيمة مضافة للمحاصيل وخلق فرص عمل والقضاء على مشاكل النقل، والاستفادة من المخلفات الزراعية وتقليل الفاقد والجهد وتوفير التكاليف والمساعدة للوصول للأمن الغذائي واستقرار السوق المحلي، وذلك للأراضي الجديدة المستصلحة لتكون بحق الانتفاع ويمتلك المشاركون فيها أسهم كلا حسب مساحة أرضه.

الجريدة الرسمية