رئيس التحرير
عصام كامل

الغربة وسنينها!

قد يبدو الموضوع بسيطا، مصر دولة من ٣١ أخري أوقفت الكويت استقبال أي رحلات منها، بالتالي الموضوع طبيعي ولو كان القرار يشمل مصر فقط لإختلف الأمر ولكن لماذا لم يشمل القرار أمريكا صاحبة أعلى عدد إصابات وفيات فى العالم أو إنجلترا الأولى فى الوفيات على مستوى الاتحاد الأوروبي بالرغم من أنها لم تحذر مواطنيها من السفر لمصر، وتزامن ذلك مع بعض الإهانات التي يتعرض لها بعض المصريين في دول الخليج..

من حقنا أن نسأل لماذا يهان المصريون في بلاد العرب، ولا يحدث لهم ذلك في الغرب، ولماذا لا يجرؤ خليجي على إهانة الأمريكان والأوربيين، بل لماذا يستأسد الكفيل الظالم على المصريين بينما يعيش الأجانب ملوكًا في تلك الدول؟! 


الاحتقار الرسمي للغة العربية
وإذا كان المصريون العاملون بالخارج مصدرًا للعملة الصعبة فقد ادخروها بالعرق وبجزء من أعمارهم وليس منة أو هبة من أحد، ال 10 ملايين مصري منهم من ترك مكانه وأم وأب وزوجة وأولاد هؤلاء من هانت عليه راحته في سبيل راحة أهله.. 

العامل والصنايعي والمهندس والدكتور.. ملف غربة المصريين الذين نسمع كل يوم حكاية موجعة من جلد، ومن قتل، ومن ضرب بالقلم، ملف الناس إللي كل جنيه بيكسبوه فيه ريحة كفاح وصبر وشقى.. لأنهم أغراب في بلاد غريبة.. لابد من تشريع قوانين في الخارجية تحافظ على كرامتهم. فهمً ليسوا أقل من الأمريكي المكتوب في جواز سفره: إن الجيش والأسطول سيتحركون في حالة تعرضه لأي مخاطر في أي مكان في الكوكب. ولكن قبل ذلك لابد من الحفاظ على كرامة المصري بالداخل حتي يحملها معه إذا تغرب وحتي لايشعر إنه مهاجر بلا أنصار.

وبدون الدخول في تفاصيل قصص مثيرة وقعت بنفس السيناريو من قتل وتعذيب للمصريين، فقد باتت الظاهرة تتطلب التصدي والرد الرادع، خاصة أن المواطن المصري تهيأ نفسيًا لمرحلة جديدة بعد ثورة ٣٠ يونيو، ولهذا رأينا السفيرة نبيلة مكرم تسافر على الفور لحفظ كرامة المصريين، وتلك خطوة رائعة، ولكن الأروع أن تظهر القاهرة العين الحمراء، بحيث يتم وضع هؤلاء المعتدين في قوائم سوداء ولا يسمح لهم بدخول مصر مثلا. 

بصراحة مصر تحتاج أن تبدأ وقفة مع الشقيق، لا يجب ان تكون مصر الحائط المائل في المنطقة العربية، في ظني إن أي حكومة عربية تمنع المصريين -علي الأقل من لديهم إقامة- من دخولها أو العودة إليها بعد إنتهاء اجازاتهم يتعين أن يتم إتخاذ موقف حاسم منها ومعها. 


الخاسرون مع ترامب
لا يكون فقط بمنع مواطنيها من دخول مصر ...ولكن ايضا بمنع المصريين من العمل فيها.. قد لا يعرف الكثيرين إن بعض الدول العربية قد لا تستطيع استبدال العمالة المصرية بأخري خاصة في بعض المهن، ويترتب علي سحب المواطنين المصريين منها إنهيار حقيقي في خدمات مهمة.

سبق للفلبين أن حظرت علي مواطنيها العمل في الكويت عام ٢٠١٨ وجددت هذا الحظر في يناير ٢٠٢٠ . لا أتصور إن المواطن العربي المصري أرخص من المواطن الأسيوي الفلبيني..

من الغريب أن كل العرب والأجانب وجدوا فى مصر أبواب الرزق الوفير ولكن بعض المصريين يعشقون الغربة وقد ظهرت النعرات في دول الجفاف على المصريين تحديدا في فترة كان يحكمنا مفرط وكان يحكمهم مغالي.. فتولدت أجيال شعرت بنقص مبالغ فيه في حقوقها.. وتولدت أيضا وتربت أجيال لديهم تشعر بمبالغة شديدة جدا أكبر من حجمها بكثير..  فكانت النتيجة ما نراه.. صحيح رد فعل الدولة المصرية إختلف فاضطررت دول الجفاف أن يكون لديها رد فعل مغاير عن الحقبة الماضية .

ومشكلة المصري كانت عندما فقد صفته كقراري أي ثابت ومستقر ورحل للخليج لم يكن لديه "كتالوج" التعامل مع مجتمعات الخلايجة بعد طفرة النفط، كان لا يزال يُؤْمِن بالعروبة ولديه إحساس بأن بلده حارب وجاهد وأرسل الكسوة للكعبة ومدرسين وأطباء لمنطقة الخليج أيام القحط، وأن جامعات ومدارس مصر إحتضنت الأشقاء كأبناء البلد، لا فرق وكان لا يزال يفخر بأن الفيلم والكتاب والمسرحية والمطربين والملحنين المصريين هم من يطربون العرب من المحيط للخليج، وإن الحكي المفضل هو الحكي المصري، وإن الضحكة لابد أن تكون مصرية، وكان الفيلم المصري يسمى الفيلم العربي وصوت العرب من القاهرة هو من يجمعهم، وشدو أم كلثوم هو جامعتهم العربية..
خطايا منظمة الصحة العالمية الإثيوبية!
وكانت البصمة المصرية من ألحان وكلمات هي تأشيرة أي فنان عربي، بل كانت ولا تزال النقود في الشام اسمها المصاري منذ ذهب إبراهيم باشا هناك، ويقال إن مصر لو وفرت ما صرفته على العروبة زمان لأصبحت قراها أجمل من القرى.. ولكن حدثت الطفرة النفطية ونسي الجيل العربي والخليجي الجديد كل ذلك، وأصبحت شوارع الخليج تعج بالهنود والفلبينيين والباكستانيين، وصار الغنج اللبناني هو الحكي الرسمي للفتيات، وصارت غرف النوم استوديوهات للأغاني، وصارت القواعد العسكرية للأمريكان والإيرانيين والأتراك والباكستانيين فوق الأراضي العربية مشهدًا مألوفًا لا يثير العيب، ولا ينتقص من الكرامة الوطنية، بل أصبح مصدر فخر لترهيب الأشقاء والجيران وصارت إسرائيل الصديق المفضل.

الجريدة الرسمية