رئيس التحرير
عصام كامل

درس من «سيدة القطار» إلى «عفريت الإزالات»

تسود الحارة الشعبية، حالة ترقب شابها القلق وحاصرها الهم، يطرق الباب موظف في ساعة الظهيرة؛ فيسود الصمت، وتداهم السامعين أسئلة متتابعة مفادها: ترىمن سيكون الطارق؟ أهو طارق بخير أم موظف من «الحي» يحمل إنذاراً بإخلاء المنزل؟..


هل منزلنا مخالف؟ وإن كانت الإجابة بـ «نعم»، فلماذا لم ينذرنا أحد أو يخطرنا؟ وهل لدى المجلس المحلي الذي تتبعه منطقة سكننا كشوف بأسماء أصحاب المنازل المخالفة؟».. أمام سيل تلك الأسئلة المتلاحقة يزداد طرق الموظف ويعلو صوته قائلا: «افتحي يا حاجة أنا موظف شركة المياه مطلوب قراءة العداد..»
روح القانون قبل سيفه في «التصالح بمخالفات البناء»
إلى هنا يهدأ سكان الحارة البسطاء ويعودون مؤقتا إلى سكينتهم.. بعد أن تحول أسلوب تنفيذ «قانون التصالح في مخالفات البناء» إلى «عفريت الإزالات»، وسط هذا الرعب لدى كثير من المواطنين الذين «لم يعرفوا رأسهم من أقدامهم حتى الآن» أو يعرفوا ما إذا كانوا مخالفين من عدمه..

تركب الفضائيات الضالة المُضلَّة موجة التحريض الآثم ضد مصر من الخارج كعادتها، وتستغل تعسف بعض التنفيذيين في «التنفيذ الأعمى للإزالات»، ويبدأ الترويج مجدداً لفكرة الفوضى.. وفجأة يستقيظ من الناحية الأخرى إعلاميون طالما صدَّعوا آذان الناس بنفاقهم؛ ليوجهوا لوماً يبدوا قاسياً للمحافظين ويطالبونهم بــ «تقليل قيمة الغرامات المستحقة على المنازل المخالفة..!!».

أمام هذا المشهد العبثي، تظهر ومضة ضوء نقية طاهرة، تنشر الخير وتترجم قيمة إنسانية في أبهى صورها وأرقى معانيها، مُربية أجيال من معلمات وزارة التربية والتعليم، إنها الأم الفاضلة الإنسانة الخلوقة الأستاذة صفية أبو العزم، التي اشتهرت إعلاميا بـ «سيدة القطار»، تربعت على عرش قلوب المصريين جميعهم، بتدخلها لدفع قيمة التذكرة لجندي بطل مقاتل من أبنائنا ولحمنا ودمنا، أحد جنود القوات المسلحة؛ لمنع أي أسلوب غير لائق، حاول «كمساري مخالف للإجراءات الوقائية وزميله» معاملته به..

لقد أعطت تلك المربية الفاضلة محاضرة عملية لمصر كلها، في معنى الاصطفاف الوطني والثوابت التي لا تتزعزع أمام عقيدة وطنية راسخة لا تشوبها شوائب الغباء، ولا يهزها «عفريت الإزالات»، الذي انطلق يهدم قبل أن يفكر في حالة المخالف الذي اضطرته الظروف في السكن ببناء غير مرخص..
مسؤولية الدولة في إعمار بيوت الله
لذلك فإن مقطع الفيديو المتداول بشأن «سيدة القطار» يجبرنا أن نعيد النظر في كثير من الإجراءات والقوانين وآلية تنفيذها، فصاحب المعالي «البيه الكمساري وزميله» لم يلتزما بالإجراءات الاحترازية، بل إن أحدهما طلب من راكب «نزع الكمامة» حتى يكلم معاليه، إن القائم على التنفيذ هنا، هو نفسه مخالف، ويتعامل بأسلوب غير لائق مع الملتزم بالإجراءات الاحترازية..

لقد لخَّص مشهد سيدة القطار، كثيراً من أوضاع مصر، فالسيدة هي «الشعب» والجندي هو «الجيش الرشيد» والتنفيذي المفروض منه مراجعة نفسه هو «الكمساري» والمتفرجون هم «رجال مسهم طائفٌ من السلبية»، نبَّههم الشعب الأصيل بتصرفه اللائق..

الجريدة الرسمية