مسلسلان وفيلم.. ونقاط مضيئة في تاريخنا
النقاط المضيئة في تاريخ مصر والمصريين كثيرةٌ جدًّا.. لا تعدُّ ولا تُحصى.. وأيادينا على كلِّ بلدان العالم لا تحصرها دفَّتا كتاب، وانتصاراتنا على أعتى القوى الكبرى التي سادت الدنيا لا تضمها أسفار الأرض.. هذه واحدة.
أما النقطة الثانية التي أرى صوابها دون نقاش ولا مجادلة، فهي أن هناك ثلاثة أعمال فنية، شاهدها الملايين مؤخرًا، أفادت قضايانا بأكثر مما أفادتنا ملايين الكتب التي سطرها مئات آلاف الكتاب والمؤلين والمؤرخين.. الأعمال التي أعنيها هي: فيلم "الممر"، الذي صنع من ألفه إلى يائه بعقول وأيدٍ مصرية.. ومسلسل "ممالك النار"، الذي فازت بإخراجه للنور دولة الإمارات.. ومسلسل "الاختيار"، الذي خلدت به مصر أسطورة البطل الشهيد أحمد منسي.
حكاية الليبي الذى طردته أمه بسبب فيلم "الرسالة"
الأول؛ "الممر"
جسد البطولات المصرية الرائعة، والانتصارات الساحقة التي حققها جنودنا البواسل على
أرض سيناء الحبيبة، التي كانت، وقتها، سليبة، وأذاقوا الإسرائيليين الأمرين، وحرموهم
من النوم، أثناء حرب الاستنزاف.. وأظهر الفيلم العظيم، على ضآلة المساحة التاريخية
له، أن حرب أكتوبر المجيدة، والانتصار الهائل فيها لم يتحقق من تلقاء الصدفة، بل كان
هناك من مهد له، وعبَّد طريقَ النصر، ورافض الاعتراف بالهزيمة، ولم ينم حتى ذاق حلاوة
النصر، وجرع أعداءه مرارة الانكسار.
العمل الثاني؛
"ممالك النار" أصاب دراويش العثمانيين بالخرس، وهتك الستار عن الكثير من
الأكاذيب التي عشنا أسرى لها قرونًا.. مثل كون العثمانيين الغزاة فاتحين، وأن سلاطينهم
مصلحون، وأنهم عمروا مصر والدول العربية، بعد أن دمرها المماليك!
هذا العمل الفني،
أصنفه كأقوى انتصار حققته القوة الناعمة العربية قاطبة على الإمبراطورية التركية الغاشمة..
إنه حقق أثارًا لم تكن لتتحقق لو اجتمعت كل الجيوش العربية، وحاربت جيش أردوغان.. إنه
مرمغ رأس آل عثمان في الوحل، ووسم سمعتهم بالطين.. بعد أن عراهم، وكشف عن سوءاتهم..
ودفع الكثيرين من العرب للقراءة والاطلاع على حقيقة هذا التاريخ المزيف!
العمل الثالث؛
"الاختيار".. وياله من عنوان عبقري لعمل تضافرت له كل عوامل العبقرية والنجاح
وإبهار، حتى استحوز على قلوب وعقول الشباب والكهول في الكثير من أنحاء العالم، لدرجة
أن مشاهدين من دول أوروبية أبدوا إعجابهم به، وببطله "منسي"، وبدا ذلك جليا
عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
لو وفرت مصر مليارات
كميزانية لبرامج وكتب وصحف للحديث عن خطايا وجرائم الجماعات الإرهابية، ومجرميها، لما
حققت مثل تلك النتيجة المبهرة، ولو توقع المتطرفون، ومن يدعمهم، هذه الآثار، لما سمحوا
له بأن يتم، ولبذلوا كل ما في وسعهم لمنعه من الظهور إلى الأضواء. الممر خلد أسماء
ابطال الاستنزاف، وفي مقدمتهم إبراهيم رفاعي.. وممالك النار خلد اسم طومان باي، بعد
أن تعرض للظلم مئات السنين.. والاختيار خلد أحمد منسي، الذي ستظل الأجيال تتذكره جيلا
بعد جيل.
النتيجة؛ أننا نبذل الكثير والكثير من الجهد والوقت والمال في العمل من أجل تحقيق مصالحنا الخارجية، وأهدافنا الداخلية، وإقناع الأصدقاء والأعداء بقوتنا، وقدرتنا على تحقيق ما نتمسك به، ونهدف إليه.. فضلا عن سعي الحكومة الدائب لإقناع المواطنين بدعمها في خططها الاقتصادية، وسداد الضرائب والرسوم المفروضة على الخدمات المختلفة طواعية، والتبرع للمشروعات التنموية والاجتماعية.. كم يتكلف كل هذا؟! مليارات.. ولا تتحقق النتيجة المرجوة.. ولنا في قانون التصالح في بعض مخالفات البناء خير دليل.
تصوروا أن كتاب السينما
والتليفزيون تعاونوا مع المنتجين والمخرجين والممثلين، لإنتاج أفلام ومسلسلات من النوعية
سالفة الذكر.. لا أقصد أفلاما ومسلسلات من نوعية أعمال الوعظ والإرشاد، فهذه ستسقط
بأسرع ما يمكن.. ولن يلتفت إليها أحد، ولكني أعني أعمالا تصنع بحرفية شديدة، ومهنية،
بحيث تضمن النجاح والانتشار الجماهيري العريض، والتأثير القوي.
قوتنا الناعمة.. ومنظمة تضامن الشعوب
مثلا: رفقاء منسي
في الجنة من شهداء العمليات الإرهابية.. ضحايا مسجد بئر العبد.. العلاقات التاريخية
الطيبة بين مصر وأفريقيا، وخاصة مع دول حوض النيل.. دور عبد الناصر في حركات التحرر
الأفريقي.. العلماء المصريون الأفذاذ، مثل مصطفى مشرفة.. أحمد زويل.. مجدي يعقوب..
طبيب الغلابة محمد مشالي.. الدكتور أنور المفتي.. الرموز مثل البابا شنودة.. خضر التوني..
سيد نصير.. محمود مختار.. (طبعا ليس بمثل المسلسلات
فقيرة الإنتاج التي تسيء للشخصيات التاريخية).. عباس محمود العقاد.. رفاعة الطهطاوي..
حسن العطار.. علي مبارك.. طلعت حرب.. حتشبسوت ورحلتها إلى "بُنت".
مصر عظيمة برموزها، وإنجازاتها عبر التاريخ كثيرة جدًّا.. لماذا لا نستغلها، في تصحيح صورتنا الخارجية، وإعادة رتق ما تمزق من عراها.. ودعم جهود القيادة لإنجاح المخططات التنموية، والأهداف المستقبلية؟!!
كفانا ترويجًا لأمجاد
الآخرين، وسعيًا من أجل تحقيق أهدافهم، وتخليد انتصاراتهم، ورموزهم، وزهوًا وفخرًا
بنجاحاتهم.. ألم ننتج أعمالًا فنية عن "نابليون بونابرت"، والدولة الفرنسية،
والإمبراطورية العثمانية، ومحمد علي باشا، و"الخديوي عباس"، و"إسماعيل"،
وغيرهم؟! ألم تكتظ ميادين
المحروسة بتماثيل لـ "دليسبس"، و"نوبار باشا"، و"سيمون بوليفار"،
و"لاظوغلي"، و"سليمان باشا "الفرنساوي"؟!!
آن لنا أن نركز على
الداخل، أن نفخر بأنفسنا، فخرا بناءً، يمثل قوة دافعة لتكرار تلك الأمجاد، والاستفادة
من نتائجها، وألا ننسى الانكسارات والكبوات، في ذات الوقت.
أليس من حق أبناء
مصر، وأبطالها الذين عاشوا في الظل، وماتوا مجهولين أن نزيح عنهم الغبار ؟! أليس من
حق الأجيال الحالية والقادمة أن تعرف أن أجدادهم خير من عمَّر الأرض ؟!