رئيس التحرير
عصام كامل

قوتنا الناعمة.. ومنظمة تضامن الشعوب

أول من استخدم مصطلح "القوة الناعمة" هو جوزيف ناي، الذي عمل مساعدا لوزير الدفاع في إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، ورئيساً لمجلس المخابرات الوطني، وأصدر كتابا عن هذا المصطلح، اعتبر، فيما بعد، بمثابة "خريطة طريق" للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، حين تفشل "القوة الخشنة"، أي قوة الدبابات والمدافع والقنابل والصواريخ، وحاملات الطائرات، في تحقيق الأهداف.


القوة الناعمة، في رأي ناي، سلاح مؤثر يحقق الأهداف عن طريق الجاذبية والإقناع بدل الإرغام أو دفع الأموال، وموارد القوة الناعمة لأي بلد هي ثقافته إذا كانت تتمتع بالقدر الأدنى من الجاذبية.


وتمتلك مصر الكثير من مصادر القوة الناعمة، متفوقة بذلك على الكثير من الدول الكبرى.. مصر لديها التاريخ والجغرافيا، والحضارات، والآثار، ولديها الأزهر الشريف والكنيسة، والعلماء في كافة المجالات، والرياضيون في العديد من الرياضات، والمطربون والموسيقيون.

 

المستشار عمر.. "حدوتة مصرية" في قلب أفريقيا


سأضرب مثلا بالزعيم الراحل جمال عبد الناصر.. هو، في حد ذاته، اسما وتاريخا وتراثا وسيرة عطرة، يمثل قوة ناعمة هائلة. اسم عبد الناصر في معظم الدول يعني الاحترام والإكبار، ويستحضر في أذهان السامعين معاني الوطنية، والكبرياء، والنزاهة، واستقلال القرار.

 

عبد الناصر امتلك رؤية سياسية عريضة وعميقة.. لذلك أدرك أهمية الشعوب في مواجهة الاستعمار والأطماع الخارجية في دول العالم الثالث، وما أن تم له ما أراد من تأسيس كتلة عدم الانحياز والحياد الإيجابي، وإعلان تدشينها في مؤتمر باندونج بإندونيسيا، الذي عقد في 18 أبريل 1955، واستمر حتى 24 من الشهر نفسه، حتى كرس جهده لإنشاء منظمة تضامن الشعوب الأفريقية الآسيوية، كظهير شعبي لكتلة عدم الانحياز..

 

ونجح في ذلك، وتم تدشين المنظمة في يناير 1958 .. هذه المنظمة الجماهيرية والشعبوية تعد الأقدم في العالم، فعمرها يزيد على 62 عامًا. وكما يقول الدكتور حلمي الحديدي، الرئيس الحالي للمنظمة، فقد كان ناصر يؤمن بأن الحكومة من غير شعب لا تساوي شيئا، فالشعب هو السند الحقيقي للحكومات.. من هنا ساهمت المنظمة في كل حركات التحرر الأفريقي.

 

ابن الشرقية.. مؤسس الاتحاد الأفريقي 

 

وبعد مرور كل هذه السنوات، أصبح للمنظمة أهداف جديدة تسعى لتحقيقها في ظل الظروف التي يمر بها العالم ولاسيما قارتي أفريقيا وآسيا، لذلك لابد من إحياء روح التضامن والتعاون بين شعوب العالم وانتهاج سياسات مستقلة تقتضي صياغة جديدة لدور شعوب المنظمة في ظل التحديات التي يواجهها العالم أجمع.


رئيس منظمة تضامن الشعوب الإفريقية الآسيوية، يطمح إلى صياغة دور جديد للمنظمة يتمثل في المواجهة الجماعية والمشتركة الشاملة للعنف والإرهاب، والتصدي بكل حزم وقوة لمحاولات تقويض كيان الدول الوطنية في كل من آسيا وأفريقيا، وتقسيمها لدويلات صغيرة، فضلا عن ضرورى التعاون والتضامن؛ ليشمل تعاون اقتصادي من خلال التجارة البينية أو الاستثمارات المشتركة وتوجيه رؤوس أموال الإفريقية والآسيوية للاستثمار داخل بلاد قارتي آسيا وأفريقيا..

 

ويتطلع إلى إقامة مجتمعات ديمقراطية عصرية تقوم على مبدأ المواطنة والمساواة، واستثمار ما شهدته بلاد القارتين من انتفاضات شعبية لتجديد شبابها وتأسيس لجان وطنية جديدة، وتبني شعار التخلص من الفقر والبطالة وتوحيد المواقف في المحافل الدولية في قضايا المياه التي يجب أن يحكمها مبدأ التعاون والتشارك للدول في أحواض الأنهار.


ولم يكد يخلو شهر من فعالية تقيمها، أو تشارك فيها المنظمة، وفي كل القضايا التي تهم مصر تدلي بدلوها، وتلقي بثقلها الدولي لتغليب رأي مصر، وتحقيق المصلحة الوطنية، بما أسفر عن نتائج تكاد لا تنجزها وزارات متخصصة كاملة.

 

 كمال الدين صلاح.. شهيد الدبلوماسية المصرية في أفريقيا


نجحت المنظمة في السنوات القليلة الماضية في ضم دول أفريقية، مثل: الكونغو برازافيل، والسنغال، وتشاد، ونيجيريا، ومالي، وبوركينا فاسو، إلى مظلة المنظمة، وبذلك فتحت قنوات دبلوماسية وسياسية جديدة، بما يضمن وقوف تلك الدول إلى جانب مصر، والتصويت لصالحها في كافة المحافل الدولية.


ومع كل ما أسلفنا، فإن ثمة فحوة كبيرة بين ما تؤديه المنظمة من دور وطني رائع، وبين الجهات التنفيذية المصرية، ممثلة في وزارة الخارجية التي تتبعها المنظمة.. فالخارجية تقدم دعما سنويا لا يتجاوز 750 ألف جنيه مصري فقط لا غير!


ولنا أن نتصور أن كيانا كبيرا له ثقله الدولي، وعلاقاته القارية، وتاريخه العريق، واتصالاته الواسعة، حتى أن وفودا من دول آسيا وأفريقيا تحرص على زيارة مقر المنظمة الواقع بشارع عبد العزيز آل سعود بالمنيل، والذي تطوع رجل الأعمال الفلسطيني طلال أبو غزالة، بتجديده وتطويره، وافتتح قبل ثورة يناير 2011 بأيام قليلة.


ولا يكاد يعقد مؤتمر، ولا ندوة، ولا حلقة نقاشية تهم دولة في أفريقيا أو آسيا، إلا وتوجه الدعوة للمنظمة للمشاركة، إلا أن ضيق ذات اليد يحول دون حضور ممثل للمنظمة في الكثير من تلك الفعاليات.. وأحيانا يضطر الحديدي للمساهمة بماله الخاص، حرصا على مصلحة مصر، وسمعتها، وطلبا لتحقيق المصلحة العامة..

 

وفي هذا الشأن الكثير من التفاصيل المزعجة، والتي تشي بأن هناك من لايدري أين وكيف تتحقق مصلحة مصر، أو يدري، ولكن الروتين يقيده ويغل يديه.

 

نبي أفريقيا 


الدكتور الحديدي، إذ فاض به الكيل، وبلغ السيل الزبى، لا يجد سوى الاستغاثة بالرئيس السيسي، الذي يدرك قيمة العلاقات المصرية الأفريقية والآسيوية، وأهمية القوة الناعمة، وخطورة الدور الذي تلعبه المنظمات الشعبية في القضايا الوطنية والإقليمية والدولية، وإسهاماتها في حل الأزمات المستحكمة، وتجسير الفجوات بين الشعوب، وتعزيز التعاون البناء بين الدول.

 

نأمل أن يتدخل الرئيس السيسي للإبقاء على الدعم الذي تحصل عليه المنظمة من الخارجية، وتيسير الحصول عليه، وإنهاء العراقيل التي توضع كل عام بهذا الشأن، وليس هذا فقط بل وزيادة قيمته؛ بحيث تستطيع الوفاء بالتزاماتها.

الجريدة الرسمية