رئيس التحرير
عصام كامل

إعلام القمامة.. نهش الأعراض

عاش المصريون طيلة ثلاثة أشهر كاملة تقريبا في حالة من الرعب والقلق والتقرب إلى الله. منذ مارس وحتى آخر يوليو تقريبا كانت عيون الناس تتابع بتوجس وترقب ودعاء تراجع أرقام المصابين والمتوفين.. أو ارتفاعها.

 

لما بلغت الأرقام قرابة الألف الثانية، وبات الموتى من المشاهير في الطب والفن والحياة العامة، تحول المصريون جميعا إلى مشايخ وحملة قرآن كريم، وكانت الجملة الشائعة بينهم: اللهم أحسن ختامنا.. اللهم جنبنا الدفن في الكيس الأسود! عرفنا الله.. والله أعلم بأننا لم نعرفه حق المعرفة، ولا أخلصنا في التودد ولا التقرب ولا التهجد ولا التوسل. 

خلى بالك من العدوى النفسية 

مع تراجع المصابين إلى ما تحت المائة والوفيات فوق العشرين بقليل أو تحتها بأقل، عادت ريمة إلى عادتها القديمة السقيمة. خلعنا الستر والخشوع. تجردنا من لباس الخوف وارتدينا لباس الوقاحة والبجاحة.

 

وتبارى المجتمع في التعرى، وتسابقت الأقلام والألسنة في التفحش، وباتت الكلمات العارية عنوان البيت الملكي للشهرة والفلوس. كم من الفضائح غير مسبوق.

هذا المجتمع، مثل كل المجتمعات الأخرى، فيه الرذيلة، كما فيه الفضيلة، وليس من وظيفة الصحفي والإعلامي وصاحب الصفحة على مواقع التواصل فضح الناس، وكشف أسرارهم والخوض في أعراضهم والتلذذ بأن لديهم الفيديوهات والسيديهات.


الله حليم ستار. الصحفي ليس لص أعراض، ولا نباش حرمات، ولا تاجر لحوم بشرية. الناس الذين نفضحهم، ونتاجر بخطاياهم، لم يخولنا الله فضحهم، بل خولنا الستر عليهم وترك الأمر للتحقيق والعقاب.


ما هذه النزعة الجامحة الفائقة لكشف الحرمات؟ ما وجه المنفعة في تعرية من أخطأ؟ من منا لا يخطئ. من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر. كلنا مصائب. لولا الجدران الأربع. كلنا لنا حماقات. لولا ستر الله. كلنا نراجع أنفسنا ونتوب، ومن العار أن تجعل حياة أسرة بأكملها في مهب الريح، يعايرهم الناس بالنظرات، ويسلخونهم بألسنة مسنونة، لمجرد أن تكون سباقا في النشر.


صحافة الأعراض، وإعلام غرف النوم، قمامة العمل الصحفي. الدنيا تقفز قفزات خيالية في العلم والتكنولوجيا، ونحن نخوض في الوحل ونقتطع من لحم الناس وترتفع الحناجر: تعال شوف.. اتفرج ببلاش. فلانة فعلت.. وفلان عمل. شوف اللحم ده.. طب شوف الحتة دي؟

ثلاثة أيام على الطريقة الليبية
والله حرام. والله حرام. والله حرام. استر يا مصرى. استر يا مؤمن. كيف يأمرك الله بالستر وانت تفضح؟ هل تحب أن يفضحك غيرك؟ لا مستقبل لوطن ترك تعاليم دينه عرضة للانتقاء. يختار اليوم أن يكون تقيا، وبعد صلاة الفجر، يرتشى، أو يرتوى من ماء الحرام الآسن.


تذكروا حالة الرعب، وكم توسلنا أن يفرج الله عنا من محابسنا في بيوتنا ومعازلنا، والله اعلم أننا جاحدون، وسنعرض عنه بمجرد أن يذيقنا شيئا من رحمته, فعلا.. أعرضنا.. وخضنا في أعراضنا.. وسيذيقنا الله جزاء النكور.. والجحود.. ونخاسة الأعراض.
اللهم لا تؤاخذنا بما فعل أو يفعل السفهاء منا.


الجريدة الرسمية