رئيس التحرير
عصام كامل

خلى بالك من العدوى النفسية

ماذا يحدث لك حين تفتح صفحتك على الفيس، أو تطالع الواتس، وتقفز في وجهك العبارة التالية: البقاء لله.. مات بالكورونا. يوميا مات بالكورونا. لم يعد هناك موت إلا بالكورونا.

 

لو خلت الصفحات من وفيات بالفيروس، امتلأت بدعوات المصابين واستغاثات أهالى المصابين. وحين تتلقى اتصالا يخبرك أن فلانا من الأصدقاء ضربته الكورونا، ويسهب المتصل في وصف الأعراض.. ستجد كل الاعراض حطت عليك.

 

هذا ما يحدث لكثيرين، وحدث لي، وحدث لابنى . كح ورجع وأسهل حين أبلغه صديق أن صديقا لابنى عمل المسحة وتبين أنه مفيروس. الجزع والهلع.. والكحة والترجيع.. وذعر.. ثم تبين أن الولد صديق ابنى كذاب. كلنا في البيت ذعرنا.. وخفنا وأنا أحسست بالغثيان.. ومن وقت لآخر أتحسس جبهتى وعنقي.. وابلبلع.. ابلبع.. بلبعت صيدلية كاملة تقريبا!

 

 الاسطى ترامب: العلم في الراس مش في الكراس !


وزوجتى ترفض بلبلعتي أو بلبعتها.. وتقول : كفايه! كفاية. بطنى وجعتنى .
الصور السابقة ليست خاصة ولا شخصية تقريبا، لأننا نكاد نكون كلنا مقيمين في بيوت بعضنا البعض.. ففى أوقات الخطر الوجودى، خطر الحياة أو الموت، تصبح المشاعر الإنسانية وقت الجزع هى نسخة واحدة، تتفاوت طبقاتها وألوانها حدة، لكنها جميعا واحدة.


ذلك هو ما يمكن أن نسميه بالعدوى النفسية.


والحقيقة أن الضحك معد . والبكاء معد. فنحن نبكي تأثرا بدموع شخص أمامنا. ونضحك من القلب لضحكة شخص آخر، وخصوصا لو ضحكة طفل يكركر...
كذلك الخوف قادر على الانتقال. كأنه فيروس هو الآخر .

 

أذكر أني سافرت لأول مرة في حياتي إلى الولايات المتحدة عام ١٩٨٥، في تجربة إذاعية براديو صوت أمريكا، وركبت الطيارة عادى ولا في دماغي، ورجعت القاهرة بعدها بالطيارة عادي ولا في دماغي، وفي إحدى السفريات لتغطية انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي، سافرت للمرة الثالثة إلى الولايات المتحدة، ولم أهتز قط بسبب مطب هوائي ولا ارتجافة الطيارة وسط السحاب الأسود الثقيل والمطر المنهمر.. ولا في دماغى..


وفجأة.. نظرت إلي الصف الأوسط الموازى ووجدت زميلا صحفيا يرتجف ويقرأ الفاتحة والمعوذتين.. من التمتمة والقلق في عينيه عرفت ما هو فيه.. لن أذكر اسمه بالطبع، هو رئيس تحرير سابق.. طيب ولطيف.. وودود جدا.


- مالك يا عمنا في إيه


نظر إلى متعجبا : مالى ؟ افرض الطيارة وقعت بنا دلوقتي ! حتقع.. حتقع !

 

  الدواء الروسي الجاهز!


ألقاها فى وجهى صريحة مثل طوبة ضخمة. طرفت بعيني عدة مرات. ولم أرد. انحسرت في نفسى وتداخلت وابتسامتى تتقلص.. بينما مضى هو إلى معركته الخاصة، يفرك كفيه. يعصر مسند المقعد.. يتلفت.. حانت منى نظرة إليه وجدت عينيه تلمعان بغشاء رقيق وشفتيه عصبيتين .


عندئذ رأيت ما قاله: افرض الطيارة وقعت دلوقتي! حتقع.. حتقع !
وفجأة.. وقعنا في مطب عميق، وغارت الطيارة.. هبطت هبطت.. وهبط قلبي في قدمي.. أما هو فظننته مات بأزمة قلبية.. وتنفست الصعداء حين استقرت الطائرة.. ومن ملامح وجوه المضيفات رحت استخلص دواعي الطمأنينة. فهمن كن مبتسمات.. مطمئنات.


من يومها أصبت بعدوى الخوف من ركوب الجو.. لكنى كنت أركب الطيارات وأعاني.. حتى لا تصير عقدة... وبديل الطيارة اليوم لمن كان مثلي.. ولغيرى صار ذلك الفيروس الحقير الخطير الذى يعذب المليارات من البشر.. يخافونه.. ولا يرونه الإ في آثاره وأعراضه.. حقيقية أو تليفونية أو فيسبوكية.


تلك هي العدوى النفسية.. ولوكتب لنا الله النجاة من الوباء.. فأكيد ملايين منا محتاجون مصحات إعادة توضيب نفسى واتزان عقلى وعصبى.
شخصيا محتاجها والله!

الجريدة الرسمية