رئيس التحرير
عصام كامل

الهجرة النبوية والفرق بين الدولة واللا دولة

كان النبي صلى الله عليه وسلم يعيش في مكة سنوات قبل الهجرة مع عباد الأوثان من بني وطنه حيث محاولات القتل والتهجير وبالرغم من ذلك لم يفكر أبدا في الرد بالمثل حفاظا على وطنه والا قامت حرب أهلية حيث إن الوضع المكي هو وضع اللادولة من حيث الدستور والجيش والحكم..

 

ولكن حينما هاجر إلى المدينة كان نظام الدولة من حيث الدستور والجيش والحكم ولو فهم جماعات التطرف والإرهاب الفرق بين الفترة قبل الهجرة وبعدها أو الفرق بين الدولة واللادولة لحقنت الكثير من الدماء.


فالجهاد بمعنى القتال لم يفرض إلا في بعد الهجرة كما يذكر الدكتور محمد أبو شهبة أن تشريع الجهاد كان بعد الهجرة وعلل ذلك بسبب انشغال المسلمين في السنة الأولى بتنظيم أحوالهم الدينية والدنيوية كبنائهم المسجد النبوي، وأمور معايشهم، وطرق اكتسابهم وتنظيم أحوالهم السياسية: كعقد التآخي بينهم، وموادعتهم اليهود المساكنين لهم في المدينة، كي يأمنوا شرورهم (السيرة النبوية د / محمد أبو شهبة) (1/75، 76).

 

مفتي الجمهورية: علينا الاستفادة من دروس الهجرة النبوية في مواجهة جماعات التطرف

 
فبعد أن أصبح هناك دولة ودستور ونظام حكم وجيش نظامي يتحرك بإذن من رئيس الدولة كان القتال حتى لا تقوم حرب أهلية تتحرك فيها جماعات التطرف والإرهاب من نفسها.


يقول القرطبي رحمه الله: هذه الآية {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة :190 : هي أول آية نزلت في الأمر بالقتال، ولا خلاف أن القتال كان محظورا قبل الهجرة بقوله ( ادفع بالتي هي أحسن ) فصلت 34، وقوله (فاعف عنهم واصفح) المائدة 13، وما كان مثله بمكة، فلما هاجر إلى المدينة أمر بالقتال (الجامع لأحكام القران للقرطبي 1/718).


وهنا سؤال يطرح نفسه ما هي العلة في أن الجهاد بمعنى القتال لم يفرض طيلة ثلاثة عشر عاما ـ على أرجح الأقوال ـ في الفترة المكية وإنما فرض بعد للهجرة؟


والجواب عن هذا السؤال، وفهم العلة يبين لنا العهد الجديد بعد الهجرة والفرق بين الدولة واللادولة كما يحقن الكثير من أنهار الدماء التي نراها في هذه الأيام من جماعات التطرف والإرهاب تحت مسمى الجهاد في سبيل الله.


إن العلة في ذلك هي أن المسلمين أصبح لهم دولة في المدينة المنورة، وأصبح هناك رئيس للدولة المدنية، وأصبح هناك جيش نظامي للدولة، يتخذ رئيس الدولة قرار السلم أو الحرب فيتحرك الجيش النظامي تبعا لذلك، أما في الفترة المكية فلم يكن هناك دولة ولا رئيس للدولة ولا جيش نظامي للدولة ولذلك رفض النبي صلى الله عليه وسلم أي عمل مسلح فردي أو جماعي ضد القيادات الوثنية في مكة لأن العمل المسلح ميدانه أرض المعركة بعيدا عن المدنيين..

 

ما الحكمة من الاحتفال بالهجرة في المحرم رغم وصول النبي للمدينة في ربيع الأول؟

 

ويذكر لنا القرطبي في جامعه أن سبب نزول قول الله تعالى (إِنَّ ٱللَّهَ يُدَٰفِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍۢ كَفُورٍ(الحج - 38) روي أنها نزلت بسبب المؤمنين لما كثروا بمكة وآذاهم الكفار وهاجر من هاجر إلى أرض الحبشة ؛ أراد بعض مؤمني مكة أن يقتل من أمكنه من الكفار ويغتال ويغدر ويحتال ؛ فنزلت هذه الآية إلى قوله: كفور . فوعد فيها سبحانه بالمدافعة ونهى أفصح نهي عن الخيانة والغدر (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي).

 

في هذه الرواية يطلب الصحابة من النبي عليه الصلاة والسلام أن يقوموا بعمليات فردية ضد نظام الحكم المكون من قيادات من عباد الأوثان، فيأتي الرد من الرحيم الرحمن أن الإسلام دين سلام حتى لعباد الأوثان لا دين قتل وإرهاب، فما بالنا إذا كانت القيادات ممن يعبدون الواحد الديان إن هذا لشىء عجاب ممن يدعون الجهاد .


وبذلك يتضح لنا أنه لما لم يكن هناك دولة، ولا رئيس للدولة، ولا جيش نظامي منع الجهاد بمعنى القتال بأمر من الواحد الديان ، فلو فتح هذا الباب وليس هناك سمت دولة ولا رئيس للدولة لانتشر القتل والإرهاب بإسم الدين، ولتزعزع أمن واستقرار وطنه صلى الله عليه وسلم..

 

فرفض النبي الكريم هذه الأمر تماما تجنبا للفتنة الخطيرة التي كانت ستحدث في مكة، والحرب الأهلية بين المواطنين، وتلك المقتلة العظيمة التي ستحل في كل بيت، وأيضًا تجنب السمعة السيئة التي كانت ستلتصق بالإسلام من وراء ذلك وهذا ما يعانيه الإسلام في هذه الأيام، والتي كانت سترمي إلى أن الإسلام يؤدي إلى فتن عظيمة.


فقد تكفل كل زعيم بأتباعه، وتكفل كل والد بولده، وكل سيد بعبده، وكل شيخ قبيلة بأفراد قبيلته وهكذا، فكان يقوم بتعذيب مصعب بن عمير أمه، وكان الذي يعذب عثمان بن عفان عمه، وكان الذي يعذب خباب بن الأرت سيدته، والذي يعذب بلال بن رباح سيده، وهكذا.

 

تأملات في الهجرة النبوية

 
ومن هنا فلو قاتل المؤمنون دفاعًا عن أنفسهم فإنهم -لا ريب- سيقاتلون آباءهم وأعمامهم وقبائلهم، وحينها ماذا سيقول الناس عن الإسلام؟


لقد كانت فِرْية أعداء الإسلام العظمى أن هذا الدين يفرق بين الولد ووالده، وبين الرجل وعشيرته، وبين المرء وزوجه، وهذه فريتهم ولم يكن قد نشب قتال بعدُ، فما البال وما الخطب لو كان قد حدث قتال؟!


فكان هذا عاملاً مهمًّا جدًّا لتجنب الفتنة الخطيرة، والحرب الأهلية الكبيرة التي كانت ستحدث داخل مكة، وللحفاظ أيضًا على الصورة النقية الصافية للإسلام كما هي.


أما بعد الهجرة وبعد أن أصبح للمسلمين دولة في المدينة المنورة، وأصبح هناك رئيس للدولة المدنية، وأصبح هناك جيش نظامي للدولة، فأصبح من الممكن الرد على العدوان من خلال الجيش النظامي بقرار من رئيس الدولة أما ما يدعيه الكثير من الكتاب مسلمين وغير مسلمين قدماء ومحدثين عرب ومستشرقين من أن السبب أن الإسلام كان في ضعف في مكة فلم يؤذن بالقتال، ثم أصبح في قوة في المدينة فأمر الصحابة بالقتال، فهذا أمر غير مقبول.

الجريدة الرسمية