تأملات في الهجرة النبوية
عام هجري جديد تتجدد معه ذكرى الهجرة النبوية المباركة، وقراءات وتأملات جديدة في تلك الرحلة المليئة والحافلة بالمعاني والدروس المستفادة والتي منها، عناية الله تعالى بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله وبالمؤمنين، والحب والفداء والتضحية والإصرار على تحقيق الأهداف وقوة العقيدة والصبر، والتحمل في سبيل تحقيق الغايات والأهداف النبيلة، والبذل والإيثار وكمال الإيمان، وصدق الأخوة والمحبة في الله تعالى والوفاء بالوعد والأمانة..
وأعتقد أن على رأس هذه المعاني الحب.. الحب الخالص لله تعالى ولرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله.. ذلك الحب الذي يؤكد حقيقة الإيمان، والذي هو الأصل فيه والذي هو أيضا الأصل في علاقة العبد بربه عز وجل، واتباع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله مصداقا لقوله تعالى: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم"..
ولقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بقوله: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما".. وفي حديث آخر: "أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين".. وقد تجلى ذلك الحب بمعناه الحقيقي فيما صنعه الإمام على بن أبي طالب كرم الله وجهه وهو قبوله المبيت في فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله، وهو يعلم بقدوم فتيان مشركي قريش بسيوفهم المسمومة لقتل النبي الكريم، معرضا نفسه الكريمة إلى القتل والهلاك فداء للرسول حبا وطواعية وبرضاء وطيبة نفس.
وإذا ما تساءلنا.. ما الدافع من وراء ذلك نجد أنه الحب. حب الإمام على للحبيب صلى الله عليه وسلم وعلى آله.. وكذلك عندما نتأمل ما صنعه سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه منذ لحظة إسلامه من بذل وعطاء، وخاصة ما صنعه في هذه الرحلة فالبرغم من علمه بأن الرحلة محفوفة بالمخاطر وأن مشركي قريش في طلبهم لقتلهم والخلاص منهما إلا أنه بمجرد أن قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله.. أذن لي بالهجرة.. وإلا قام فرحا متهللا قائلا: الصحبة، الصحبة، يا رسول الله، وقام بأخذ ماله كله تاركا لأهل بيته الله ورسوله.
ثم يُعرض أبناءه سيدنا عبدالله والسيدة أسماء الفتاة في ذلك الوقت للمخاطر وربما للقتل فيجندهما في خدمة الدين والرسالة.. سيدنا عبد الله يأتيهما بأخبار مشركي قريش والسيدة أسماء تأتي لهما بالزاد والماء.. هذا وأثناء الرحلة تارة يأتي مسرعا من خلف النبي وتارة يأتي مهرولا من أمامه وتارة يأتي عن يمينه صلى الله عليه وسلم وعلى آله وتارة أخرى يأتي عن شماله.
فيسأل النبي عن ذلك فيقول: يارسول الله يخيل إلى أن القوم قد إلحقوا بنا وهموا بقتلك من أمامك فأتي أمامك وهكذا، فإذا أنا قُتلت فقد قتل رجلا واحدا. أما أنت إن قتلت لماتت الأمة بأسرها.. إنه الحب..
هذا وعندما وصلا إلى الغار للمبيت فيه يطلب رضي الله عنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله أن ينتظر أمام باب الغار ويقول: انتظر يارسول الله حتى أؤئمن لك الغار فيدخل الغار أولا معرضا نفسه للموت والهلاك.. إنه الحب.
هذا وعندما ننظر فيما صنعه السادة الأنصار رضي الله تعالى عنهم من حسن استقبالهم للرسول الكريم ومدى فرحهم بقدومه عليهم وإستقبالهم لحضرته بالضرب على الدفوف والإنشاد والغناء أمام موكبه الشريف.. إنه الحب..
هذا بالإضافة لما صنعوه مع إخوانهم المهاجرين بعدما آخى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله بينهم، من اقتسام الأموال والأرض والديار، وأعتقد أن هذا الصنيع لم يصنع من قبل ولن يصنع من بعد.. ما الدافع من وراء ذلك كله.. إنه الحب.. الحب الذي وراءه الصدق في الإيمان وإخلاص الوجهة لله تعالى.. عزيزي القارئ نستكمل القراءات والمعاني في الهجرة النبوية المباركة بمشيئة الله تعالى في المقال القادم وكل عام وأنتم بخير..