رئيس التحرير
عصام كامل

كوارث "كواحيل" بلدنا

للأسف الحكومة والبرلمان لم يحالفهما التوفيق فى إعداد "قانون التصالح فى مخالفات البناء" الذى سينتهى العمل به فى 30 سبتمبر القادم، نظرا لما يسببه من ظلم وثقل على المواطن المصرى ، خاصة من أصحاب الوحدات السكنية المتوسطة فى العمارات المجمعة.


فعلى الرغم من اتفاقى التام مع ما تتخذه "الحكومة" من إجراءات قاسية ضد كل المتجاوزين و المخالفين لقوانين البناء، خاصة على الاراض الزراعية واراض الدولة، إلا أنها ومعها "البرلمان" الذى أقر "قانون التصالح فى مخالفات البناء" قد حولا الأهداف السامية للقانون، إلى "كابوس" يطارد المواطن "الفقير" كلما اقتراب موعد نهاية العمل بهذا القانون المؤقت.
حصانة للبيع
فلا أعتقد أنه يخفى عن البرلمان والحكومة، أن الحلم الأول، ويكاد يكون الأخير، للسواد الأعظم من الفقراء ومتوسطى الدخل، يتلخص فى امتلاك "وحدة سكنية" متوسطة "تأويه" وأسرته، وأن "المصرى المسكين" غالبا ما يفنى الجزء الأكبر من عمره فى الغربة، أو العمل ليل نهار لتحقيق هذا الأمل.

وفجأة، مع العمل بأحكام القانون المؤقت المعروف برقم 1 لسنة 2020 والمعدل لأحكام القانون رقم 17 لسنة 2019 والذى من المفترض إنه يهدف إلى تقنين المخالفات، والحفاظ على الثروة العقارية، وجد "المصرى الكادح" نفسه أمام خيارين كلاهما مر، فإما أن يسدد مبالغ لا طاقة له بها، عن مخالفات "لم يرتكبها" وإما أن يستسلم وتقوم الحكومة بهدم "حلم عمره" طبقا لأحكام "قانون البناء الموحد" الذى سيعود العمل به فور انتهاء العمل بالقانون المؤقت.

فلا أدري كيف لأعضاء الحكومة والبرلمان، الذين هم من قلب هذا الشعب، لا يعلمون أن أغلب "العمارات الضخمة" فى مصر، يتم بناؤها بمعرفة مقاولين يتقن أغلبهم فن التحايل على القانون والمواطن معا، من خلال شراء قطع أرض، أو مشاركة أصحاب عقارات قديمة، وتشييد عمارات ضخمة "بدون ترخيص" أو بترخيص يخالف واقع البناء والأدوار التى يسمح بها القانون واللوائح، بمساعدة وحماية مجموعة من الموظفين "اللصوص" من العاملين بالادارات الهندسية فى كل مدن وأحياء مصر.

حيث يتم استخراج كافة تراخيص وأوراق المبنى الرسمية بإسم شخص مجهول ودون حيثيه، ويحمل فى الغالب عنوانا وهميا، يطلقون عليه "الكحول" يقوم بإنهاء كافة المعاملات الحكومة الخاصة بالعمارة باسمة، ثم تفويض شخص أو أكثر من المقاولين بالتصرف بالبيع والشراء لكل وحدات المبنى، فى مقابل مبلغ لا يتعدى الـ 5 آلاف جنيه. 

ويختفى "الكحول" ويبدأ المقاولون بيع وحدات المبنى، ويحققون مكاسب بالملايين فى كل عقار، إلى أن اتخموا مصر بملايين الأبراج المخالفة، فى غيبه من القانون، وحماية الإدارات الهندسية، وصمت من كل الحكومات المتعاقبة.
"إرهابى" فى قلب أمريكا
وترك الجميع الأمر منذ الخمسينيات من القرن الماضى، إلى أن تحول "فساد البناء" فى مصر إلى "سلوك" وتحولت البقعة الأكبر من البلاد إلى "عشوائيات" وظل الحال على ما هو عليه، إلى أن عبر "الرئيس" عن غضبه من الظاهرة، خلال إحدى جولاته الميدانية.

وهنا فقط استيقظت الحكومة، وكأنها اكتشفت فجأة أن المخالفات كانت مخبأة، وخرج "قانون التصالح" للتطبيق، وبدأ التحرك لتقنين أو إزالة المخالفات، بمعرفة ذات "الموظفين الفاسدين" الذين أسسوا وحموا كل هذا الفساد لسنوات فى الإدارات الهندسية.

ووسط كل هذه الأحداث، وجد "المصرى الفقير" الذى لا دخل له بمخالفات "رسوم هندسية أو مناور، أو بروز، أو غيرها" نفسه مهددا بقطع المرافق أو إزالة الوحدة التى "تأويه" بعد أن اختفى كل الملاك الحقيقيين للعقارات ومعهم كل "الكواحيل" بعد أن حققوا مكاسب بالملايين، وتركوا البسطاء فى مواجهة القانون والحكومة.

للأسف الواقع يؤكد أن الكارثة آتية، سواء استخدم رئيس الحكومة حقه فى مد العمل بالقانون المؤقت أو لم يستخدمه، لأن المهلة المحددة قانونا بـ 6 أشهر والتى يسمح للمواطن بالتقدم بطلبات التصالح خلالها "سوف تنتهى" ولن يتمكن ملايين المصريين من تدبير رسوم الغرامات المستحقة للتقنين، وستجد الحكومة ذاتها فى مواجهة ملايين الفقراء، بحكم العودة للعمل بـ"قانون البناء الموحد رقم 119 لسنة 2008" الذى ينص صراحة على إزالة الوحدات السكنية المخالفة.
فهلوية استغلال الأزمات
أعتقد أن العقل يقول إن الحكومة لابد أن تستخدم سلطاتها لتنفيذ القانون حفاظا على "هيبة الدولة" كما أنها من المستحيل أن تدخل فى مواجهة مع ملايين المصريين المتضررين، وهو ما يحتم على "رئيس الحكومة" ضرورة التحرك سريعا وإعادة القانون إلى مجلس النواب، لإجراء تعديلات تسمح بإحالة كل الموظفين الفاسدين الذين تورطوا فى حماية تلك المخالفات إلى القضاء، وتجبر المتحايلين من أصحاب العقارات على تحمل كامل قيمة المخالفات، وتبيح لملاك الوحدات التقدم بأسماء الملاك الحقيقيين للعقار "المدونة بعقود البيع" فى حالة اختفائهم أو تقاعسهم عن التقنين.

يقينى أن الأمر لا يتعدى "خطأ تشريعيا" يمكن تداركه، إلا أنه سيجنب الحكومة الدخول فى مواجهة مع "فقراء المصريين" وسيحفظ للمواطن والدولة حقوقهما فى آن واحد.. وكفى
الجريدة الرسمية