الإمارات والسلام مع إسرائيل: لماذا الآن؟
ربما علينا الآن، وبعد كل تلك السنوات البعيدة المديدة، أن نستعيد أجواء مبادرة الرئيس الراحل أنور السادات بإعلانه أنه مستعد للذهاب إلى آخر العالم من أجل السلام، وزار الكنيست الإسرائيلي وألقى خطابا هز الدنيا لقوته وصدقه وبلاغته، وعقد معاهدة السلام الصامدة حتى الآن، واسترد الأرض كاملة إلا طابا استردها مبارك بالتحكيم والعلم والقانون والصبر.
واليوم تتجدد الأبواق ذاتها تنعى على دولة الإمارات العربية المتحدة قرارها بعقد معاهدة سلام تتباحث بشأنها خلال أسبوعين، ويتم بعدها تطبيع العلاقات مع إسرائيل في شتى المجالات. وكما وصفوا السادات بالخيانة، يصفون قادة أوفياء لوطنهم الإمارات وعروبتهم بوصف هم أولى به وأحق. ثم انظر من يصف ومن يتهم. إنهم هم الخونة الإيرانيون والقطريون والأتراك..
ماذا فعلت الإمارات بالضبط؟ فعلت ما تفعله كل دولة للحفاظ على مصالحها العليا. ليس بين الإمارات وإسرائيل قضية أرض مغتصبة ولا حدود متنازع عليها، وليس بين الإمارات وإسرائيل من مشاكل سوى المشكلة الفلسطينية المزمنة المتآكلة بفعل الربيع العربي، وبفعل الانقسام الفلسطينى، وتعدد الولاءات.. وتفضيل كيان الإخوان على كيان الدولة: حماس في غزة نموذجا!
لماذا تقيم الإمارات
علاقات طبيعية مع إسرائيل في وقت باغت الجميع؟ قرار اقامة علاقات أو قطع علاقات هو
أمر سيادي بحت لأية دولة مستقلة وفق مصالحها ومواءمات الصراع في إقليمها المحيط. عدو إسرائيل هو إيران. عدو الخليج كله هو إيران. هنالك إذن عدو واحد مشترك يحتل جزرا إماراتية
منذ عشرات السنين ويهدد السعودية عبر اليمن الحوثية، ويهدد البحرين...
ومع النظر إلى انهيار
الأمن العربي تقريبا وسقوط جيوش دول عربية كبيرة، العراق، وسوريا، وليبيا، واليمن.. وما يستجد، فإن منظومة الدفاع العربي المشترك باتت من أشباح الماضى.. وآخر تنفيذ
عملي لها كان في حرب تحرير الكويت بدعوة فاعلة من مصر في عهد الرئيس الراحل حسنى مبارك.
أضف إلى سقوط حائط
الصد العربي، استمرار الانقسام الفلسطينى وإعلان الولاء لإيران وقطر، عدوتي الخليج
التقليديتين، وأضف إلى هذا كله الروح البراجماتية التى يتمتع بها قادة أبو ظبى، للفرار
من تابوت المواقف المتكلسة، وتعطيل التقدم وصرف الأموال في اتجاه الحروب.. فى هذا السياق
كله ينبغى فهم القرار الشجاع الذي اتخذته الإمارات، لأنه في واقع الأمر تعبير علنى
عن حياة سرية كاملة، ليس فقط في الخليج، بل مع دول عربية وإسلامية عديدة.
من عجب أن منها من يندد ويهدد ويخون. لتركيا وقطر سفراء في إسرائيل. والدولتان بهما بجاحة غريبة! من حق الإمارات أن تحمى مصالحها.. وبخاصة أن من نسميهم الشقيق، في قطر أظهر أنه أسوأ ممن نسميه العدو في إسرائيل.. هكذا رأينا سواده وأمواله وإرهابييه وعملاءه في التفجيرات بمصر من ٢٠١١ وحتى ٢٠١٤.. ولم تهمد آلة الحقد القطرية التركية تجاه الشعب المصرى الذي دمر مخطط التقسيم لإنشاء خلافة عثمانية وفق خطط الخارجية الأمريكية، يرأسها دينيس روس، في عهد باراك أوباما، راعي سياسة ( استخدموا الإخوان لحرق الأوطان).
الملء الأمريكي الأول في لبنان بعد إخراج إيران!
كانت مصر شجاعة وسبقت عصرها فاستردت أرضها، وكانت سوريا حافظ الأسد مترددة ورافضة فضاعت منها الجولان.. لا تزال محتلة منذ حرب يونيو ١٩٦٧. واليوم حين تقرر دولة الإمارات أن تتجاوز عفن وحسابات القوى المستفيدة من جثة القضية الفلسطينية، وتعترف بعلاقة مع دولة موجودة بقوة الضعف العربى بالفعل، فإن المتخلفين سياسيا وإدراكيا ينعتونها بالخيانة.
التعريف الصحيح للخائن
هو: كل من يفرط في حقوق ومصالح وسيادة وكرامة وأمن وأرض بلده.. إعلاء لدولة أجنبية
وتمكينا لها. كل الذين هاجموا
السادات... عادوا واعتذروا ويترحمون عليه.. كان ثاقب البصيرة..
وسيفعل كذلك كل من
سيرى علي المدى البعيد أن قرار الإمارات في علاقتها بإسرائيل قرار يخدم الدولة ومصالحها
العليا وهذا حقها. لا تحدثنى عن الأمن القومى العربي.. هو أمن دول تتحالف في مواجهة
خطر مشترك. المفارقة أن المواجهة الآن: إسرائيل ومصر والإمارات (ودول خليجية لم يعلن
عنها بعد) في ناحية، وإيران وتركيا و الذيل القطرى في الناحية الأخرى. ما أعجب التحولات
التاريخية.