رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الدكتوراه "الفشخرية" وسفراء النوايا السيئة

كما وصفها صديقي محمود البدوي المحامي بالنقض؛ "جريمة بالتراضى"؛ أن يمنح نصاب ضحيته السعيدة لقبا لا يملك مجرد الإشارة إليه، ولا تملك هي مقومات الحصول عليه.

جريمة تتكرر كل ساعة فى مصر وسط غياب دور كبير لمكافحتها من قبل أجهزة رقابية ومؤسسات وهيئات علمية ومدنية، ننتظره فى الدفاع عن مجتمع يضلل أفراده النصابون من أرباب بعض الكيانات الوهمية؛ والجمعيات؛ التي تباشر عملا أهليا على طريقتها الخاصة في غيبة من ضوابط قانون تنظيمه، وتروج لنشاطها المشبوه كيانات أخرى أولها المواقع الصحفية والفضائيات، وربما استفاد بعض العاملين فيها بالتواطؤ والتحايل على الوعي العام وإظهار المجرمين وتصديرهم للمجتمع دون اعتذار أو تأنيب ضمير.


حلول علمية لقضية أطفال الطلاق

 

منح ألقاب ومسميات علمية ومهنية وتوزيعها على من يدفع الثمن، هذا يحمل الدكتوراه الفخرية تحصل عليها من "جمعية فلان"، وتلك تحمل لقب سفيرة النوايا الحسنة من "مركز فلان"، وثالث يسرق لقب صحفي عبر شركة أسست لأغراض ضرب مهنة وأهلها، ولا هؤلاء جميعا تحصلوا على مؤهلات علمية، ولا من منحوهم الألقاب تجدهم على درجة من العلم بها أو إدراك مبرر وجودهم فى الحياة العامة؛ سوى اصطياد الضحايا الراضين.

"الفشخرة الكدابة"؛ كما يرددها المواطن سخرية من "الهجاصين"، هى السر فى لجوء كافة أطراف جريمة انتحال صفة أو بيع ألقاب بالتراضي للحصول على تلك الألقاب، فى غيبة وزارة التعليم العالي والأعلى للجامعات والأعلى للإعلام والوطنية للصحافة ونقابة الصحفيين، وكلها جهات لم تصدر عنها مواقف جدية فى مواجهة هؤلاء أو توعية المجتمع وأفراده بخطورة التعامل معهم.

فلقب "سفير" لا يمنح لغير الدبلوماسيين وعبر قرار لرئيس الجمهورية، ولقب "دكتور" لا يتحصل عليه إلا الباحثون ولا تمنحه "فخريا" سوى المؤسسات العلمية العليا تقديرا لجهود شخص متفق عليها فى خدمة مجتمعه وعالمه مثلا، وصفة صحفي لا يتحصل عليها إلا الممارس للمهنة عبر صحف قومية وحزبية وخاصة معتمدة من الهيئة الوطنية للصحافة، بعد إجراءات معروفة تعتمدها لوائح القيد بنقابة الصحفيين دون غيرها، ولقب "مستشار" قضائي تماما.
فيروس في فخ الصحفيين
ومع ذلك تجد أصحاب "الفشخرية" ومعهم أصحاب "النوايا السيئة" والصحفيين الوهميين والمشطوبين على مواعيد دائمة ومنتظمة مع أرباب المصالح والمنافع المتبادلة من مذيعي ومعدي برامج ومحرري مواقع لا يدققون فى صفاتهم، ربما لأسباب بينية يعلمونها وحدهم ويكشفها ذكاء القارئ والمشاهد.

وصل الحال الفج إلى قيام مطلقة ناشطة وغيرها بشراء "ساعة هواء" من فضائيات بيع الوهم لتصبح "مذيعة بفلوسها"، بعد أن افتضح أمرها عقب انتحالها صفة "صحفي" رغم علم المحيطين بها بحقيقة مؤهلها الدراسي، حتى من باع لها بطاقة عضوية "مضروبة" صادرة عن كيان مشبوه لا علاقة له بمهنة الصحافة.

تطور حالة بيع الألقاب بدأ مع ساسة ونشطاء عبر استدعائها بالشراء والادعاء من الخارج، على طريقة "مرجان أحمد مرجان"، ثم استهوى الأمر باحثين نزلوا بمرتبة "الدكتوراه" إلى درجة الدراسات العليا والماجستير، فناداهم من حولهم "دكتور"، وأصابت الجريمة تخصصات أخرى مثل الطب النفسي فظهرت ألقاب "استشاري أسري دولي"؛ "خبير نفسي وتربوي"؛ و "خبير تنموى" وغيرها بالتراضى والمحبة بين النصابين والمشتاقين.

كما استحدثت الكيانات الوهمية درجات للألقاب تتحايل على مثيلاتها العلمية الجامعية، فيمنحك صاحب جمعية من هؤلاء درجة "ماجستير مهنى" أو "دكتوراه مهنية" عن سدادك ثمن ملزمة بها نصوص قص ولصق من مواقع الإنترنت، مع حضورك حفل تكريم يتخلله "بريك وغداء" تدفع ثمن اللقب مسبقا قبل دخوله لمنحك إياه أمام المدعوين.
الهروب من القاهرة
أساء لتلك الدرجات العلمية والألقاب ضعف المؤسسات المسؤولة عن منحها وتسمية الحاصلين عليها فى ملاحقة هؤلاء، وتدهور الأوضاع الأكاديمية والمهنية وتعظيم الفائدة من المناصب الإدارية على حساب ترجيح كفة الاستفادة من قيمة العلماء وأبحاثهم والمهنيين وخبراتهم فى تخصصاتهم، بخلاف غياب جهات الرقابة والتشريع فى ملاحقة النصابين وتغليظ العقوبات ضد منتحلى الصفات وحاملى الألقاب الوهمية.

الصمت المؤسسي؛ امتد إلى تجاهل أحزاب "تحت التأسيس" مارس بعضها النصب والاحتيال على شباب يسلكون طريقهم نحو مستقبلهم فى مسارات شتى، خاصة الصحافة، وبعضها يظهر فى مواسم انتخابية بحثا عن أصحاب أعمال مشبوهة لمنحهم لقب "مرشح حزبي" مقابل المال، أو غسلا لسمعة بعض الشخصيات فى زوبعة مؤقتة.

كم من هؤلاء وأولئك والكيانات الداعمة لهم حصدوا من المنافع وارتكبوا من الجرائم وزايدوا على أزمات المجتمع وزادوها وافتعلوا الكوارث والمشكلات لأفراده؟ وكم من الأخطاء ارتكبتها المؤسسات العلمية والأكاديمية والمهنية بالصمت على جرائمهم؟
ماذا تريدون من 15 مليون "جنة"؟
بتقديري؛ تدهور المستوى الدراسي الجامعي وما فوقه وتخبط النظم التعليمية، وراء كوارث شتى، وعجبى أن تتحدث الجامعات عن نظام تعليمي كالتعليم المفتوح وشهاداته دون تنسيق مع نقابات ترفض خريجيه، أو ضمان استمرار دارسيه وتأمين احترام سوق العمل لهم وطلبه عليهم، واستدعاء تعليم "مهني" لا نفهم بالمرة مبرر وجوده ومخرجاته ومسارات توجه الحاصلين عليه.

المنظومة تحتاج إلى تكامل للترقى وضبط الأمور والقضاء جماعة على الفوضى، وإهمال الواقع الكارثي سيضاعف من جرائم مانحى وحملة "الدكتوراه الفشخرية" و"سفراء النوايا السيئة" بحق العلم والعلماء والمواطنين والمجتمع.

Advertisements
الجريدة الرسمية