رئيس التحرير
عصام كامل

فرحة العيد المنقوصة

كل عام وأنتم بخير، عبارة نكررها مع قدوم العيد ونرد على المهنئين بها، لكنها تصبح عند أصحاب الآلام التى يتجاهلها كثيرون كالعادة السيئة.

يغلق بعض المتألمين هاتفه كى لا يسمعها فلا يشعر بمعنى لها، ويتوارى البعض خلف أوجاعه فلا تبدو على وجهه الحسرة، أو لا يظهر من الردود المصطنعة مالا يرضيه.


فرحة العيد الكبير؛ والصغير أيضا؛ الظاهرة؛ يعيشها الأبرياء والمتجاهلون دون تفكير فى غير حقهم بسعادة ولو مؤقتة، آملين فى تجاوز ما مر بهم قريبا أو ما ترك كثيرا من البصمات على انطباعاتهم عن الحياة عموما، تجدهم يذبحون ويتزاورون ويتبادلون التهانى وسط لعب الصغار وارتدائهم الأزياء الجديدة.
الدكتوراه "الفشخرية" وسفراء النوايا السيئة
أما فرحة العيد المنقوصة؛ فتجدها فى ملامح من فقد عزيزا قريبا، أو اقترنت أيام العيد بذكرى رحيل غال عليه، أو فقدان حبيب فى ليلة كهذه، أو سجن أو مرض قريب، أو ربما حرمان من أهل لأسباب شقاق شتى، خصام أو فرقة، أو قضاء بما كتبت عليه قوانين كارثية تشتت الملايين من الأطفال بعد إنفصال الأبوين.

ترتبط ليلة العيد الكبير عندى بذكرى ميلاد الغالية "هدى" ابنة شقيقتي الغالية "هدى"، ورحيل أمها بعد ساعات فى مشهد مهيب عشته قبل ربع قرن بالتمام، لم تفت ساعة فرحة فى حياتى دون تذكرها والبكاء بحرقة من داخلى عليها، تمحو آثاره إبتسامات "هدهد" وشقيقتيها وعدا منهن بدوام حضور الراحلة بيننا.

هكذا كنت أستغرق معهن مبكرا فى أبوة لم يفهمها إلا الواعون بحقيقة أن "الخال والد"، لا يستطيع المزايدة على أبوته أحد، إذا ما اختار لنفسه مكانه ومكانته بين من حوله صغارا وكبارا.

لم أبك على أم غالية كما بكيت على "أم محمد" جدة بنات شقيقتي الراحلة، ولم أفهم معنى للتضحية الحقيقية بعيدا عن حضورها بين أيتامها الكبار والصغار على مدى نحو أربعة عقود، وقد رحلت قبل عام بالتمام مع الساعات الأولى من صيام ذى الحجة.
حلول علمية لقضية أطفال الطلاق
ولم أفهم قيمة للأمومة الجادة مع غير نظرات الزهرات الثلاث للعمة الأم "أحلام" والتى صنعت بكدها مجدا تتباهى به وعظمتها التى انتقلت لبنات شقيقتي إرثا حيا عنوانه "العمة أم بحكم الطبيعة و الدم".

لسنوات غازلت الشعيرات البيضاء قمة الأب الرائع "فرج" حتى سيطرت عليه بعد أن سطر لمن حوله أبياتا من السعادة، ومثلها فعلت الأيام بنا حينما فقدنا فاكهة العائلة "عبد الله" فظللت خطوات أعماله الخيرة على من عاشوا حاملين اسمه حتى بلغوا فى الدنيا مقاما يليق ببراءتهم.

قيل لنا إن زيارة القبور فى الأعياد مكروهة، فالأعياد للأحياء، وأمثال هؤلاء الأحبة أحياء بيننا، زيارتهم فى ود مع خلفائهم، هكذا سيرة حلقة الود الدائم بينى وعائلة أبي، ابن عمى "صبحى" الذى فقدناه قبل أيام، وقد دعا له حصى الأرض بالرحمة كما تنبأت أمه المكلومة لفراق ثلاثة من أبنائها خلال عامين.

ومن قال لكم إن شقاء الدنيا لا يستحضره الساعون والساعيات أول أيام العيد إلى سجون رؤية أطفال الطلاق مثلا، وهى كره لهم، وقد جعلهم القانون يلقبون يومهم هذا ب"جمعة الخرابات"، أوليس هذا من الأمور المكروهة إذا ما منعتمونا زيارة قبور الموتى والحضور إلى خرابات موت الضمير الإنساني؟

فرحة العيد المنقوصة؛ تتكرر داخل بيوت يتجاهلها الممتنعون عن إخراج الصدقات والزكاة فى توقيتات كهذه، يحتاج فيها فقير ومسكين ويتيم فرحة برزق مما منحه الله إيانا، دون مزايدة على قدر استطاعة منفق؛ أو حال بسطاء فى مواسم استحضارهم لغرض سياسي، ولا أقل من مشاركة بفعل الخير من قبل من رزقه الله سترا.
الحياة عن بعد.. والموت أيضاً
داخل كل إنسان أسباب متفاوتة لشعوره بفرحة العيد، ربما من بينها مظاهره الأساسية فى صلاة جماعية لم ندركها هذا العام لجائحة وباء كارثي، وتجمعات لا يخشى معها انتشاره، وإتصالات متبادلة لا نستحى معها من تقصير بحق من أهملنا صلاتهم يوما، لكن واقعنا جديدا تتبدل معه الأحوال؛ وربما تطول.

صور من بؤس الأحياء تعتمدها قوانين برلمانات بلا إنسانية تذوق فيها الأنفس ألوان العذاب والحزن فى أعيادها، وصور من الفرحة تلونها حالة الوفاء لذكرى راحلين وصلة رحم من تركوهم، وبين هذه وتلك وصايا متكررة بإصلاح النفوس كى ينصلح الحال.

ورغم الأسوأ؛ نكررها؛ ولو تحايلا من بعضنا على واقعنا، كل عام وكل أحبتنا بخير وصحة وسعادة وذويهم، كل عام وتقوى أنفسنا تغلب فجورها حتى يدركها الفلاح ولا تصيبها الخيبة.
الجريدة الرسمية