"قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ"
في حياة امتلأت بشخصيات كثيرة تسخر كل وقتها لصناعة بيئة خصبة لعمل الشيطان، فيندثر الخير بداخلها وينتج بدلا منه شرا يذهب بكل أسلحته إلى قلب القريب والبعيد ليطعنه ويتركه ينزف حتى يتوقف نبضه ويفارق الحياة، دون الشعور بندم أو ذنب، بل يزيد الشر بداخلهم وينتشر كالنار في الهشيم..
أصبح فرضا واجبا على كل إنسان لم يتملك منه الشيطان أن يعي جيدا كل كلمة جاءت في سورة
الفلق، وإن كنت لست فقيها أو واعظا ولكن الله أراد بي خيرا، فقرأت واطلعت على علم كنت به جاهلا، تقربا من الله
رب العالمين ووجدت في آيات هذه السورة معاني عظيمة لمقام هذه الأيام!
الشوق!
"الفلق" هو كل ما ينطوي عنه الكون من
مخلوقات، إنسان وحيوان ونبات و جماد وأرض وبحر وسماء وأنهار، وهي كلمة شاملة كاملة
حاوية لكل ما خلقه الله سبحانه وتعالي وكلمة "أعوذ" تحمل طلب الحماية واللجوء
وما أعظم أن يكون هذا الطلب الذي يحمل الإنكسار إلي رب الفلق، الواحد الأحد، فلا ينبغي
أن ينكسر الإنسان لغير خالقه، ولو أدركنا هذا لكان حالنا غير ذلك بكثير، في زمن يتجسد
فيه الإنكسار الإنساني في أدني صوره، بين خلق الله وبعضهم لمصلحة أو حاجة أو منع ضرر،
أو جلب منفعة، وهيهات هيهات أن يرضي الله علي الفئتين، خاصة وقد أمرنا رب الفلق أن
يكون هو دون شريك الملاذ والمفر، حيث قال ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾!
والمتأمل في هذه
السورة العظيمة، لابد أن يتوقف عند قوله تعالى (مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ)، ولأن رب الفلق
خلق كل شيء فهذا الوصف شامل كامل أيضا، والخير هو الأصل في خلق الله، الله سُبْحانه
وتعالى لا يخْلق شَرا، وإذا سأل سائل من الذي خلق الشر– طبْعاً في العقيدة السليمة:
آمنت بالقدر خيره وشَره – ولكنَّ الشر كشر ما مبعثه؟ كل شيء خلقه الله سبحانه وتعالى
خير لنا، ولكن من أين يأتي الشر؟
حينما يغفل الإنسان
عن الله تعالى، وتتحرك شهواته كي تروى، وبتحركه لشهواته من دون بصيرة من الله عز وجل
ومن دون هدى يقع له الشر، حيث يقول صلي الله عليه وسلم : " الكيس من دان نفسه
وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني".
إذا متى يصدر الشر
من الإنسان؟ إذا غفل عن الله عز وجل، فهو تعالى أمره ألا يغفل عنه، و أن يكون هو الرقيب
علي نفسه خوفا من يوم الحساب و عندما يصبح الإنسان ضعيف عاجزا أمام شهواته من المال
و السلطة والشهرة والغرائز، يتملكه الشيطان و يصدر منه الشر بأشكال مختلفة.
احترم نفسك.. أنت تستحق!
إذا الشر منتج من
مخلوق و ليس مخلوق، مرة ثالثة الله طيب وكل خلقه خير، ولا ينبغي وصف إنسان بأنه مخلوق
شرير والصحيح أن نقول أن هذا الانسان يفعل أشياء شريرة، بل ونحددها و نذكر الأدلة،
لأن البينة علي من أدعي، وقد يحمل نفس الإنسان منتج خير، فلا يوجد إنسان ينتج خيرا
فقط ولايوجد إنسان ينتج شرا فقط، فالخير والشر كاللون الأسود واللون الأبيض، إذا لم
يتواجدوا معا لا تستطيع أن تميز أي صورة!
ولأن أيامنا أصبحت
مصنعا لمنتجي الشر، أصبح من الواجب أن لا نسمي أحدا حاسدا أو منافقا أو يمشي بين الناس
بالنميمة أو سارقا أو غيره دون بينة حتى لا نقع في المعصية ونصبح بذلك منتجين جدد للشر،
ونفتح بابا للشيطان كي يسكن فينا ولندرك معنى هذه الأية الكريمة ﴿ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ِ﴾ والغاسق هو الليل المظلم
والمقصود به الشيطان و وقب تعني سكن الصدر، فإذا دخل الشيطان صدر أي إنسان وتملك منه،
زاد الشر وانتشر والعاجز فقط من يفتح باب صدره للشيطان ليسكنه، والشهوانيين صدورهم
مفتوحة ليل نهار، تنافق وتتملق وتزيف الحقائق وترصد عورات الناس، وتحسد وتحقد وتكره
وتتبع نفسها هواها وتتمني علي الله الأماني! وإذا قُلتَ (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)
نجوت بإذن الله.
ولأن الشيطان هو
دائما الأصل في الشر والسبب في اللهو عن ذكر الله، فإن العودة الي الله وذكر الله خاصة
في السجود تنجي حتي من السحر وقد أمرنا الله تعالي باللجوء إليه حماية من السحر فقال
تعالي ﴿ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ﴾ والنفاثات هي النفوس الساحرة،
والسحر أصله التمويه بالحيل والتخايل، كالسراب تراه ماء، وهو انعكاس شعاعي على الأرض،
وأصله الخفاء والصَرف، فإذا صرفت إنساناً عن شيء فقد سحرته، وإذا قرأت هذه الأية بطل السحر، ومعنى النفاثات في العقد، هذه العقد
المتينة، العلاقة الزوجية عقدة، وعلاقة الأخوة عقدة، وعلاقة الشريكين عقدة، وعلاقة
الابوة عقدة، وعلاقة الجوار عقدة، والسيدة عائشة رضي الله عنها سألت النبي عليه الصلاة
والسلام مرة: كيفَ حبك لي؟ قال: كعقدة الحبل، فكانت تقول له من حين لآخر: كيف العقدة؟
فيقول لها: على حالها!
افتكاسة كليات القمة!
ولأن النفوس أصبحت
ضعيفة و الصدور أصبحت مفتوحة والعين تري النعم في غيرها ولا تري ما أنعم الله بها عليها
ولا تدري بأي ابتلاء يعيش من يظنون انهم في نعم ورفاهية وسعادة، فإن الله هو الملاذ
حيث قال ﴿وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾ و الحسد نوعين، الأول محمود ووصفه رب
العزة بالتنافس ووصفه الرسول الكريم بالغبطة وهي ترجي النعم للنفس دون أن تزول عن صاحبها،
أما النوع الثاني مذموم، إذا تمنَّيْتَ زوال النِّعْمة عن أخيك، وأنْ تتحَوَّل إليك،
هذا هو الحسد:
قل لِمَن بات لي
حاسِداً أتَدْري على من أسأْتَ الأدَب؟
أسأْتَ على الله
في فِعْلِه إذْ لم ترْضَ لي ما وَهَـــبَ
اِصْبِر على حسد
الحسود فإنَّ صبْرَكَ قاتِلُـــه
فالنارُ تأكُلُ بعضهـــا إنْ لم تجد ما تأكله
بِسْم الله الرحمن
الرحيم ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ*مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ*وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ
إِذَا وَقَبَ*وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ*وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا
حَسَدَ﴾ صدق الله العظيم