رئيس التحرير
عصام كامل

الشوق!

شوق هي بنت تركت أمها تخبط برأسها في الحائط حتى لقيت مصرعها، اعتقادًا منها أن أمها هي مصدر التعاسة والشقاء لها ولأختها، والتي جسدت شخصيتها المطربة روبي في فيلم “الشوق” والذي تم إنتاجه عام ٢٠١١، ولم ينجح تجاريًا وأعتقد أن الكثير لم يسمع به، حيث لم تتجاوز إيراداته ٨٠٠ ألف جنيه مصري، بالرغم أن الفنان محمد رمضان كان أحد أبطال الفيلم!

علي الرغم أنني لست من معجبى الفنانة روبي أو الفنان محمد رمضان على الإطلاق ولكن، بين الحين والآخر، أفضل أن أشاهد فيلم عربي غير مشهور، وجاء هذا الفيلم في طريقي بالصدفة، والحقيقة أن قصة الفيلم واقعية وتحمل في طياتها ألما كبيرا، ودرسا عظيما وعظة للأبناء والآباء، حين يصبح الأبناء في جهة يعتقدون ما يعتقدون، والآباء في جهة أخرى لديهم قناعة راسخة أن ما يفعلونه لأبنائهم هو الصحيح ولا صحيح غيره، والهوة بين الجهتين تصبح كبيرة جدا!

 

وخلال الفترة السابقة لم تخل صفحات الحوادث من أخبار انتحار شاب أو فتاة أو قتل للأب أو الأم على أيدي أحد أبنائهم أو بناتهم في مشاهد موجعة للقلب، وأثناء الدراما الواقعية التي شهدتها أحداث الفيلم، أبدعت الفنانة سوسن بدر في لعب دور الأم التي تركت الإسكندرية وذهبت إلى القاهرة تتسول في الشوارع، حتي تجمع ثمن جلسة غسيل كلوي لابنها الصغير، والذي مات قبل أن تصل أمه من القاهرة بالمال..

اقرأ أيضا: بعيدًا عن السياسة!

لكنها قررت أن تعود مرة ثانية إلى القاهرة للتسول في الشوارع خوفا من أن يقتل الفقر بناتها، وأخذت في جمع الأموال حتى تشتري لهم بيتا في منطقة سكنية راقية، وقامت بشراكة رجال الحارة التي تسكنها حتى يقوموا برعاية بناتها اثناء انشغالها عنهم وكانت شخصية شديدة جدا، تخشى أن تنجرف بناتها في أي طريق أعوج..

 

إلى أن تقدم عريس لابنتها شوق وكانت تحبه جدا ولكنه شاب في بداية حياته، ورفضته الأم لأنه فقير وشبح الفقر كان دائما لا يفارقها، ووصل الأمر إلى أن حاولت شوق حرق نفسها حتي تتخلص من تحكم أمها، ولم تكتف الأم بذلك بل قامت باستئجار بلطجية لضرب الشاب التي تحبه ابنتها، وبالفعل ابتعد عنها تماما!

 

لم يقف الشيطان عند هذا الحد، بل اخترق عذرية البنتين وأصبحتا بنات ليل، في رحلة الشوق إلى الحرية، عقابًا لأمهما التي تعتقد أنها ترى مصلحتهما وهما تعتقدان أنها تتحكم في حياتهما، وفي اليوم الذي قررت فيه الأم العودة نهائيًا إلى الإسكندرية وشراء بيت في منطقة أخرى، حملت جوالا كبيرا محملًا بالأموال التي جمعتها من التسول، وعادت لتعلم بالمصيبة..

واقرأ أيضا: سنرحل ويبقى الأثر

ذهبت إلى بيتها وواجهت البنات واعترفتن بكل بجاحة، بل واتهمنها بأنها السبب وهي من دمرت حياتهن، لتصاب الأم بحالة هياج شديد، وأخذت تخبط رأسها في الحائط بقوة، يختلط مشهد ترك بناتها لها ومشاهدتهن لها وهن يبكين وعدم منعها من خبط رأسها حتى انفجرت رأسها وسط بركة من الدماء، ولقيت مصرعها في الحال!

 

بالطبع محمد رمضان لم يكن هو حبيب شوق ولكنه كان قصة أخرى لعقوق الوالدين، فهو طالب الهندسة ووالده مريض وأخذ موافقة من الحي على إقامة كشك يتكسب منه داخل بيته، وهو الأمر الذي رفضه الابن واعتبره فضيحة له وترك أباه وأمه غير مبال بأي شيء، بعد أن قاموا بتربيته وتعليمه ورعايته و سط وجع قلب الأب الذي عاش مكافحا من أجل ابنه حتى وهو على فراش المرض ودموع الأم المسكينة في رحلة الشوق إلى حياة أخرى!

 

إنها حقا مصيبة كبيرة يعيشها الكثير بطرق مختلفة ولا يدرك عواقبها أحد، الا بعد حدوث ما لا يحمد عقباه، أولادنا مسئوليتنا وكلما كبر الأولاد زادت المسئولية والصبر والمثابرة واحتواؤهم هو الطريق الوحيد لمنع مصائب كثيرة!

 

والآن يجب أن ندرك أن أبناءنا قد يتكون لديهم قناعة أننا نكرههم لمجرد الحرص الشديد والتحكم والمتابعة اللصيقة، إلى درجة تجعلهم يكرهون البيت والأب والأم و ينتج لديهم الشوق إلى المجهول، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

 

إن الأجيال قد تغيرت و ما كنا نعتقد فيه ونمارسه من أصول وأدب واحترام مع والدينا أصبح شيئا نادرا أن تراه في الكثير من أبناء هذه الأجيال، الذين يشعرون دائما أنهم مظلومون مقهورون و يعيشون الحياة غير راضين، وحتمًا تنتهي هذه الحياة بكارثة! اللهم احفظ أولادنا وأهديهم واحفظهم من كل مكروه وسوء يا رب العالمين!

الجريدة الرسمية