دكتور مشالي رمز العطاء والقناعة.. وداعا!
ربما كانت وصية والده السبب في انحيازه للفقراء والغلابة ومحدودي الإمكانيات والبسطاء من شعبنا وربما كانت نزعته الخاصة في الانحياز إليهم وحبهم وعطفه عليهم وربما كان انتماؤه هو نفسه لهذه الفئات التي أعتبر نفسه واحدا منهم يشعر بهم وبآلامهم فاختار دعمهم وربما أيضا كانت تجربته الشخصية هي السبب..
ابن الطبقات البسيطة المتفوق الذي يعود من القاهرة منكسرا بعد أن حالت قدراته المادية من الالتحاق بكلية الطب.. الكلية التي سهر وتعب من أجلها.. لكن والده يطلب منه أن يختار دراسة أخرى أو يكتفي بالثانوية العامة لأنه "يعلم الحال" ولا طاقة لهم بنفقات الطب!
أردوغان يصفع السراج وأنصاره من أنقرة!
وما هي إلا ساعات على عودته إلى طنطا إلا ويصدر - كما يقول هو حرفيا في حوار له - الزعيم الخالد جمال عبد الناصر قراره بأن يكون التعليم الجامعي والتعليم في جميع مراحله مجانيا! لتنهمر دموعه مع والده ويطلب منه سرعة العودة للقاهرة وتحقيق أمنيته!
لو لم يكن القرار ما تعلم الدكتور محمد مشالي الطب وما عالج عشرات آلاف المرضى ممن استقبلهم طوال حياته.. وما كان الآلاف مثله تعلموا والتحقوا بما يساوي تفوقهم ونجابتهم.. ولولا اختيار مشالي للاستمرار في الانتماء لطبقته وعدم التنكر لها وعدم نسيان فضل الله والقدر عليه ما رأينا أسطورته التي تحكيها الألسن اليوم في كل مكان!
رجل اختار نعيم الآخرة
والدنيا معا.. فلا أجمل من إسعاد الآخرين خصوصا الضعفاء والمحتاجين.. وفي ماذا؟! في
الصحة والعلاج!
اليوم فقدنا يدا حانية طبطبت وربتت على الغلابة واليوم هي بين يدي ربها واعتقادنا إنه الأرحم والأرحم
والأرحم!
وداعا دكتور مشالي..
عاش بسيطا ولكن سعيدا.. القناعة كانت عنده كنز الكنوز.. عاش آمنا مطمئنا عنده في بيته
قوت يومه.. فحاز الدنيا وما فيها.. واليوم علامات الرضا الإلهي عنه في حزن الناس على رحيله لنكون أمام رجل أحبه الله فأحبه الناس!
المدهش أننا لسبب
لا نعرفه لم نكتب مقال اليوم عند المساء كما هي العادة.. فكانت إرادة الله أن يكون
المقال عن الدكتور محمد مشالي طبيب الغلابة الذي رحل فجرا.. تاركا سجلا مشرفا لمهنة
شريفة وطاهرة ومخلفا سيرة عطرة ومسيرة عطاء ستتناقلها الأجيال!