رئيس التحرير
عصام كامل

د. نادية حلمى: أوجه التشابه بين ثورة 30 يونيو في مصر والثورة الصينية (3 – 5)

د. نادية حلمي
د. نادية حلمي
تعدد الكتابات الصينية أهم نقاط التلاقى بين (رؤية مصر 2030)، وهى تلك الرؤية التنموية المتوافقة مع الأجندة التنموية للأمم المتحدة، ومبادرة "الحزام والطريق" الصينية.. فهناك تأكيد صينى على أن تعزيز مصر لعلاقاتها مع الصين يشجع على النمط السلمى فى التعاون الدولى لتحقيق أقصى استفادة من مبادرة "الحزام والطريق" التى أطلقها الرئيس (شى جين بينغ) عام 2013، وكانت مصر من أوائل الدول التى أعلنت مساندتها ومشاركتها.


مع تأكيد جميع الكتابات الصينية السابقة، أن الصين ومصر تسعيان لتعزيز الربط بين (استراتيجيات التنمية) فى بلديهما، وتعميق وتوسيع التعاون العملى، وبناء علاقات ثنائية تكون نموذجاً يحتذى به لبناء (مجتمع ذى مستقبل مشترك) بين الصين وأفريقيا تحت القيادة المصرية، باعتبار أن مصر دولة أفريقية كبيرة وعضو فعال وبارز فى منتدى (التعاون الصينى – الأفريقى) "فوكاك"، فضلاً عن كون مصر ممر مهم للتجارة والنفاذ إلى الأسواق الأفريقية.


ثالثاً: تتبع الأبحاث والتحليلات الصينية ومراكزها الفكرية، ولقاءات مع باحثى ملف تيارات (الإسلام السياسى) فى الصين، ورؤيتهم جميعاً لسقوط حكم (الإخوان) فى مصر، ودلالات وصفها بالجماعة (الإرهابية)
قبل ثورة (30 يونيو) وخلال فترة حكم الإخوان، وجهت الجامعات ومراكز الفكر الصينية المتخصصة مدفوعة من صانع القرار بالدفع بالمجاميع العلمية الصينية عموماً، والباحثين الصينيين المعنيين بقضايا الإسلام السياسى على وجه الخصوص، لإطلاق برامج بحث علمية همها الرئيسى فهم ديناميات الإسلام السياسى، ومسارات الحركات الإسلامية التى تعج بها المجتمعات الإسلامية، عربية وغيرها.

    ولعل خلاصة تجربتى، أن أهم الكتابات الصينية التى تعكس وجهة نظر الصين الرسمية تجاه سقوط جماعة الإخوان ووصفها بالإرهابية، قد انحصرت في أمرين:

أ‌-رؤية باحثى الصين فى ملف الإسلام السياسى لسقوط جماعة الإخوان ووصفها بالإرهابية وتداعياته على الصين والمنطقة والعالم.

ب‌-رؤية الصين تجاه علاقة واشنطن بالتيارات الإسلامية، وعلى رأسها الإخوان المسلمين، وبحث أسباب (التحفظ الأمريكى) حول وصفها بــ (الإرهابية)، وهذا ما يتضح – بشكل مختصر – من خلال الكتابات الصينية الآتية:


1- فى لقاء معه، أشار "دونغ مان يوان"، نائب مدير (معهد الصين للدراسات الدولية)،إلى أن جماعة الإخوان فى مصر بات يُنظر لها على أنها خطر يهدد الجميع، كما أن تضمين جماعة الإخوان فى مصر ضمن قائمتها للجماعات الإرهابية يأتى من ناحية على خلفية قلقها إزاء التواصل الإيديولوجى بين الإخوان وتنظيم القاعدة، وكذا التقارب الذى حدث بين الإخوان وإيران إبان عهد "محمد مرسى". وذكر "دونغ" أنه فى أعقاب صدور القرار السعودى بوصف الإخوان كجماعة إرهابية، فإن ذلك قد شكل تحديا أكبر أمامهم، إلا أنه من غير المرجح وفقاً للبروفيسور (دونغ) أن تغير جماعة الإخوان توجهاتها واستراتيجيتها فى التخلص من العنف للتعاطى مع الأحداث والتعامل مع الواقع، مضيفاً أن هذا السقوط المدى لجماعة الإخوان فى مصر قد دفعها إلى انتهاج (العمل السرى والعنيف) لتصبح أكثر تطرفاً، ومن ثم ما زالت مصر والمنطقة تواجه ضغوطاً كبيرة فى مكافحة الإرهاب.

2-بينما يرى (تشيوى شينغ)، مدير معهد الصين للدراسات الدولية، فى لقاء آخر معه، أن نشاط تنظيم الإخوان يمتد فى مختلف أقطار الشرق الأوسط، ومن ثم يستلزم ذلك التنسيق والتعاون بين مصر ودول المنطقة لمكافحة آفة الإرهاب التى تتطلب تكاتف وتضافر جهود الجميع فى مواجهتها.

3-فى هذا الصدد، أكد "يه هاى لين"، الخبير الصينى فى مكافحة الإرهاب بـ "الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية"، أن قرار العديد من الدول الإقليمية كالسعودية والإمارات بالأساس تلاها بعض القوى الغربية، بالتنسيق مع السيسى وإدراج جماعة الإخوان المسلمين ضمن قائمتها للجماعات الإرهابية، سوف يترك آثاراً كبيرة على الجماعة، إذ أنه سيقلل من حجم التعاطف معها علاوة على أنه سيرفع عنها الدعم الخارجى.

4-جاءت تغطية صحيفة "الصين اليومية" China Daily الرسمية الصينية يوم الخميس 9 مايو 2019، وإفرادها مساحة كاملة لاتجاه تفكير الإدارة الأمريكية تحت قيادة الرئيس "ترامب" باستصدار قرار بحظر جماعة الإخوان، واعتبارها "جماعة إرهابية"، مع تحليل واف للصحيفة الصينية بأنه بعد حوالى ثلاثة أسابيع من زيارة الرئيس المصرى إلى واشنطن ومحادثاته مع ترامب، أعلن البيت الأبيض بعدها بفترة وجيزة أن الرئيس الأمريكى يعمل على وصف جماعة الإخوان بأنها (منظمة إرهابية). كما حللت الصحيفة الصينية الرسمية ترحيب مصر وحلفاؤها فى منطقة الخليج بخطة - أو قل نية وفق تصورى - الولايات المتحدة، بما فى ذلك المملكة السعودية والإمارات المتحدة، وفقاً للتعبير الدقيق للصحيفة الصينية. كما أبرزت صحيفة China Daily الاحتجاجات الجماهيرية ضد حكم الإخوان، وإدراج السلطات المصرية المجموعة على القائمة السوداء نزولاً على رغبة الشارع المصرى.

5-وفى تحليل آخر لصحيفة "جنوب الصين الصباحية" الرسمية واسعة الانتشار، بتاريخ 6 مايو 2014، وإفرادها لتحليل كامل، بعنوان: "الإخوان المسلمون "انتهوا" فى مصر، كما يقول المرشح الرئاسى السيسىMuslim Brotherhood ‘finished’ in Egypt, says presidential candidate El-Sisi 总统候选人El-Sisi说,穆斯林兄弟会在埃及结束了، حيث أبرزت صحيفة "جنوب الصين" كلمة السيسى بأن "جماعة الإخوان قد "انتهت" فى مصر وأنها لن تعود إذا تم انتخابه. كما أبرزت الصحيفة الصينية مقولة "السيسى" فى أول مقابلة تلفزيونية له منذ أن أعلن ترشيحه عندما سئل عما إذا كان "الإخوان" قد "انتهوا"، فأجاب: "لم أنته من ذلك.. لقد انتهيت من ذلك يا مصريين".. وفقاً للتعبير الحرفى الصينى الذى أوردته الصحيفة الصينية “Wǒ méiyǒu wánchéng tā...... Wǒ wánchéngle tā, āijí rén”“我没有完成它......我完成了它,埃及人” والأخطر، هو إبراز صحيفة "جنوب الصين" لكلمة "السيسى" عندما سئل عما إذا كان يقول إن جماعة الإخوان لن تكون موجودة تحت رئاسته، أجاب: "نعم".. وبذلك أكدت الصحيفة الصينية بأن "تصريحات السيسى قد استبعدت أى فرص لأى نوع من المصالحة مع جماعة الإخوان المدرجة فى القائمة السوداء".

6-وفى ربط شديد الأهمية فى الصحافة الرسمية ووسائل الإعلام الصينية بتاريخ 19 ديسمبر 2018، وعندما تم بث فيديو لعمل لقاء مع أحد "الأكاديميين الصينيين المنتمين لحركة الإيغور الإسلامية" فى مقابلته مع تليفزيون "ميمرى" Memri T.V الممول والمدعوم من قبل الإخوان، لذلك، فكان هناك (خطاب يكاد يكون موحد بالنسبة لتناول الإعلام الصينى الرسمى لهذا الموضوع، واصفين جميعاً جماعة الإخوان ودعاياتها، وقنواتها الإعلامية بــ (الإرهابية). مع ترحيب عدد من الصحف "الرسمية" الصينية لوصف "السيسى" لجماعة الإخوان بــ "الإرهابية" حيث إنها تسبب اضطرابات فى الداخل الصينى.

7-وفى مقال خطير - ومختلف فى الوقت ذاته - يوم 5 أغسطس 2018، لمدونة باحث صينى يدعى "شى شوان جون" Xi Xuanjun习选军 على موقع التدوين الصينى الشهير "بو شون"blog.boxun.comبعنوان: من هم جماعة الإخوان المسلمين؟.... من يغسل أدمغة الإخوان؟谁是穆斯林兄弟会?......谁在洗穆斯林兄弟会的大脑? Shéi shì mùsīlín xiōngdì huì?...... Shéi zài xǐ mùsīlín xiōngdì huì de dànǎo? حيث أكد الباحث الصينى "شى شوان جون" بأن "الإخوان" وفقاً لـ "نظرية غسل دماغ" يشبهون نهج قائد تنظيم القاعدة (أسامة بن لادن)، ومن هنا فإن "الإخوان المسلمين" هى "جماعة إهاربية متطرفة". والأهم لدى الباحثة، هو ما أكده الباحث "شى" (حرفياً) من أنه يجب تضافر جهود الصين مع العالم من أجل القضاء نهائياً على المنظمات الإرهابية مثل جماعة الإخوان بسبب نهجها العنيف، والذى يشبه "النهج النازى". ولعل أهم ما استوقف الباحثة المصرية فى التحليل المختلف للباحث الصينى - هو ربطه بين "نهضة الصين" و"تاريخ الحزب الشيوعى الحاكم فى الصين" وبين "ضرورة الإبادة لجماعة الإخوان الإرهابية" حتى تحافظ الصين على نهضتها.

8-وفى تحليل حديث لباحث صينى إسمه "جو مى لين" Zou Meilin بالصينية على الموقع الصينى "تساو باو" www.zaobao.com.sgبتاريخ 5 مايو 2019، بعنوان: (وسائل الإعلام الأمريكية: تعتبر الولايات المتحدة جماعة الإخوان منظمة إرهابية). حيث أورد الباحث الصينى بأن عدد من وسائل الإعلام الأمريكية قد أفادت فى 30 إبريل 2019، بأن الحكومة الأمريكية تدرس إدراج جماعة الإخوان المصرية كمنظمة إرهابية.

 وأكد الباحث "جو" تحليله بأن القرار الأمريكى بحظر جماعة الإخوان، جاء بعد تقديم الرئيس السيسى طلباً لترامب لإدراج جماعة الإخوان كمنظمة إرهابية عندما زار البيت الأبيض فى وقت سابق. وتساءل الباحث الصينى: هل معنى ذلك أن الإخوان باتت "رسمياً" محظورة لدى واشنطن؟، وهل استطاعت إدارة "ترامب" أن تفى بالمتطلبات القانونية لتصنيف الولايات المتحدة للإخوان كمنظمة إرهابية؟. ثم مضى الباحث الصينى "جو مى لين" شارحاً فكرته بشأن: ما النتائج المترتبة على إدارج واشنطن الإخوان كجماعة "إرهابية"؟، مؤكداً أنه وفقاً للوائح ذات الصلة فى الولايات المتحدة، ستقوم (المؤسسات المالية الأمريكية بتجميد أصول المؤسسات المدرجة للإخوان فى قائمة المنظمات الإرهابية) فى الولايات المتحدة، و(سيُمنع أى فرد فى الولايات المتحدة من تقديم الدعم لهم)، كما تحظر الولايات المتحدة (وتمنع دخول موظفى المنظمة المعنيين من جماعة الإخوان) إلى البلاد.

9-وفى تحقيق وتحليل عميق منشور بالصينية للباحث الصينى (تشو دونغيانغ ليو تشن) Zhu Dongyang Liu Chen على موقع (وكالة أنباء شينخوا) الصينية الرسمية Xinhua بتاريخ 1 مايو 2019، بعنوان: لماذا يجب على الولايات المتحدة أن تعطى علامة "حظر" لجماعة الإخوان المسلمين؟ ?美国为什么要给我兄弟一个恐怖标签呢 Měiguó wèishéme yào gěi wǒ xiōngdì yīgè kǒngbù biāoqiān ne?حيث أكد الباحث الصينى "تشو" بأن الخطوة الأمريكية فى إدراج الإخوان كجماعة "إرهابية" ربما جاءت متأخرة فى واشنطن نتيجة لنظرية "كتم الصوت" خاصةً فيما يتعلق بأى شئ يتعلق بجماعة الإخوان الإرهابية داخل البيت الأبيض. وأشار الباحث الصينى لمحاولات أخرى سابقة تمت فى 2017، بشأن محاولات إدراج كلاً من جماعة الإخوان والحرس الثورى الإسلامى الإيرانى معاً كمنظمتين إرهابيتين، ولكن نتيجة لسياسات المعارضة داخل البيت الأبيض لهذا القرار فقد تأخر "نسبياً". ويعتقد الباحث الصينى أن الحكومة الأمريكية ربما تكون قد تعرضت لضغط ترامب الإنتخابى عام 2020، لذا، يحتاج ترامب إلى إتخاذ إجراءات عديدة لتعزيز وتوسيع قاعدة الناخبين، ومن هنا، جاء قراره بإدراج كلاً من الحرس الثورى الإيرانى وجماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية لكسب تأييد قاعدة الناخبين الأمريكيين الكبيرة المعادية للإسلام السياسى.


10-وفى هذا السياق أكد الباحث الصينى "وو يى هونغ" Wu Yihong كبير الباحثين فى "مركز فكر تشاينا تاى خو" China Taihe Think Tank فى تحليل لوكالة أنباء (شينخوا) فى 1 مايو 2019 بشأن إدراج واشنطن لجماعة الإخوان كإرهابية "بأن الولايات المتحدة حاولت تحقيق الفوز والانتصار فى منطقة الشرق الأوسط، وعمل تكتل مع مصر، وتشجيع تشكيل تحالف إستراتيجى فى الشرق الأوسط" لاحتواء إيران فى المنطقة أمنياً وسياسياً وإقتصادياً". بالإضافة إلى ذلك - وفقاً لتحليل الباحث "وو يى هونغ" - فإن حكومات تركيا ودول أخرى مؤيدة للإخوان بمجرد إدراج الولايات المتحدة جماعة الإخوان كمنظمة إرهابية، ستصبح علاقاتها مع واشنطن أكثر توتراً، وبالأخص تركيا، الأمر الذى قد يؤثر على (الوضع الإقليمى) برمته.

11-وقد نشرت بعض المواقع الصينية شريط فيديو يوم 29 أبريل 2019، يشتبه فى أن أكبر قادة تنظيم (داعش) الإرهابى وهو (أبو بكر البغدادى) قد ظهر به وهدد بشن مزيد من "إجراءات الانتقام" إذا تم إدراج جماعة الإخوان كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة أو غيرها فى هذا التوقيت، حيث سيتم إجبارنا على أن نسلك طريق التطرف، كما أن تهديد الإرهاب الإقليمى سوف يزداد حدة، وفقاً لما أكده قائد داعش (أبو بكر البغدادى) فى شريط الفيديو المتداول. مع تأكيد الباحثين الصينيين عموماً فى تحليلاتهم حول هذا الأمر على (تمسك الإخوان بفكرة السلطة رغم نفيهم ذلك لعدة سنوات)، متفقين بأن هناك العديد من أعضاء جماعة الإخوان المنتشرين حول العالم، فضلاً عن العديد من فروع الإخوان لدى دول الشرق الأوسط، لذا، وبالنظر إلى نفوذ جماعة الإخوان، فربما يقود ذلك إلى المزيد من عدم الإستقرار فى المنطقة. وهنا يتفق النهج الصينى الرسمى والأكاديمى مع النهج المصرى الرسمى فى ضرورة إدراج جماعة الإخوان كجماعة "إرهابية" محظورة، كضمان لعودة الاستقرار مرة أخرى فى مصر والصين والعالم.


--------------------------------------
( * ) أستاذ مساعد العلوم السياسية بكلية السياسة والاقتصاد.. بجامعة بنى سويف.. خبيرة فى الشئون السياسية الصينية.. محاضر وباحث زائر بمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة لوند بالسويد.. مدير وحدة دراسات جنوب وشرق آسيا



الجريدة الرسمية