علوم الشريعة والمعارف
قد يقصر الفهم لدى
البعض أن علوم الدين قاصرة على ظاهر النصوص والأحكام والحدود والأوامر والنواهي والتعاليم..
ومع قصر الفهم يأتي الاعتراض على علوم المعارف والحقائق ونجد الإنكار من أهل الجهل
والواقفون على ظاهر النص القرآني ممن لم تمس قلوبهم أنوار الخطاب الإلهي..
ولهم عذرهم لعدم
معرفتهم بكلام الله تعالى وخطابه في قرآنه.. ففي الحقيقة إن علوم الدين لا منتهى لها
ولا أول لها ولا آخر وخاصة علوم المعارف والمعاني
والحقائق وهي علوم لدنية.. أي من لدن الحق عز وجل يفيض بها على قلب من يصطفي ويجتبي
ويختار من عباده وهي علوم متعلقة بالمعاني الباطنة في كلام الله تعالى ومراده.
ومنها علوم الأسرار
والتي منها علم التصريف الذي خص الله تعالى به سيدنا الخضر عليه السلام ومن على قدمه
من الأمة المحمدية ممن لهم وظائف باطنة وتكليف من الله تعالى باطن وهم من يشار إليهم
بأهل السر والتصريف.. هذا وهناك علم الحكمة وهو قاصر على عباد الله المخلصين وهو علم
نوراني يضع صاحبه به كل شئ في نصابه، يقول تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ
ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}..
وهناك علوم ذوقية أي
لا تدرك إلا ذوقا أو على أثر حال خاص مع الله تعالى، وهو قاصر على أهل الإقبال عليه
سبحانه ممن يتقلبون في حالي القبض والبسط.. وهناك علم يسمى بعلم المكاشفة، وهو علم
خاص بأهل القرب والشهود وهو المشار إليه في قوله تعالى: (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا
ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، وقوله عز وجل: (وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ
مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ)..
وهذا العلم يأتي
على أثر الإيمان والإستقامة لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ
ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا
تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ).. هذا وهناك علوم
من الله تعالى خص بها السادة الأنبياء والأولياء عليهم السلام وهي علوم غيبية يعلمنها
ولا يعلمها أحد سواهم، وهي المشار إليها في قوله سبحانه على لسان سيدنا يعقوب عليه
السلام بقوله: (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ
مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)..
هذا ومما سبق ندرك أن هناك علوم ظاهرة متعلقة
بمنهج الرسالة ومجملها التكاليف الشرعية لتصح بها العبادات والمعاملات، والغاية منها
إستقامة حركة الإنسان على الأرض في رحلة الحياة ولأداءه دور أمانة إستخلافه في الأرض..
وندرك أيضا أن هناك
علوما باطنة متعلقة بالقلب وعروج الروح وهي قاصرة على خاصة أهل الإيمان الذين تنزهت
نفوسهم عن التطلع إلى الأجر من الله تعالى والثواب وتنزهت نفوسهم عن الطمع في الدنيا
وحبها والتعلق بشئ منها وسمت أنفسهم وتطلعت إلى الحظوة بالقرب من الله عز وجل، وهم
أهل محبة الله تعالى وولايته.
أصحاب مقام الإحسان
الذين آمنوا واتقوا وأخلصوا وإستقاموا وذكروا وزهدوا في الدنيا والآخرة. وتزكت أنفسهم
وسلمت قلوبهم من حب الدنيا والتعلق بغير الله تعالى وهم الذين حظوا بتجليات الله تعالى
وفيوضاته وعلومه ومعارفه وأسراره وهم أهل القرب والشهود..
وفي الختام إلى من
لا يعلم هذا، عليك بحسن الأدب مع أهل الله وحسن الظن بأهل المعرفة والتحقيق لعلك تنال
من بركة علومهم وأسرارهم.. وإن لم تقر فلا تنكر عليهم حتى لا تحرم من بركة سرهم فالإعتقاد
في أهل الولاية.. ولاية.. أنار الله تعالى بصائرنا وجعل لنا حظا ونصيبا من إشراقاته
عز وجل وتجلياته.. وجعلنا من أهل حسن الظن والأدب والإعتقاد..