حديث الروح
نشرت وسائل الإعلام المصرية خبر مقتل الطالبة بالفرقة الثالثة بكلية العلوم في عامها الواحد وعشرين، والتي لم يمهلها قاتلها بمحافظة الدقهلية الوقت لوضع اسمها فوق شهادة تخرجها لا وفاتها.
وقد أثار الحادث ضجة
في الشارع المصرى الأصيل وأصبح حديث الساعة، بل وتصدر هاشتاج باسمها # حق إيمان عادل مواقع التواصل
الاجتماعي، للتعبير عن رفض تلك الجرائم الوحشية التي يلفظها مجتمعنا وتتبرأ منها
تقاليدنا ويجرمها ديننا.
فقد عثر على جثتها ملقاة داخل شقتها مخنوقة ومغتصبة، وكان الشاهد الوحيد عاجزا عن إنقاذها أو الإدلاء بشهادته،
وكيف لابنها الذي لم يكمل عامه الأول، أن يحميها من ذلك الشخص الذي يخفي ملامحه ويداري سوءة عقله وسواد قلبه بردائه.
ولم يكن يعلم أن أباه "حسين" هو الذى أخرسه عمرا وفضحه دهرا ، فبعدما
رفض أهله طلاقها و زواجه بأخرى لحسن خلقها، طلب من العامل لديه فى المحل التجاري "أحمد"
أن يشاركه عرضه كما يشاركه عمله، واشترط عليه كى لا يخدعه، ويتأكد من إخلاصه في مهمته
أن يصور جريمته.
ولأن الشيطان يكمن فى التفاصيل فقد جاوره وهو يخطط ويرسم ويحدد وقت التنفيذ
ويترك مفتاح منزله، لكن حدث ما لم يكن يتوقعه فقد رحلت بعيداً عنه للأبد، ولأن المغتصب
أمين ووعد الحر دين!!!، فلم يجد أمامه بعد قتلها إلا أن يضاجع جثتها مرتين.
ذهب "الزوج" ليبلغ النيابة عن الجثة، وكأنه فرحا مزهوا بمن داس على
شرفه ودنس ثوبه، ولم تمر ساعات حتى تم القبض على شريكه، واعترف هو بتحريضه على
"اغتصابها" لا قتلها.
ولم تمض أيام حتى جاء خبر، ضحية الطالبية "فجر" ذات الثانية عشرة عاما، التي وهبت أمها "عبير" جسدها لجارها السباك، يجمعهما الحرام مرات ويفرقهما
الحلال مرة، فجار على الابنة ليكمل وليمته، حرق قلبها بعدما قررت تركه، فألقى بجثة
ابنتها في برميل من "البوتاس".
اختفت معالم الطفلة وذاب جسدها في فضيحة مها، فلم يعلم الأب أين يذهب وعلى من يحزن،
ففضيحته سطرتها أوراق التحقيقات بالنيابة، وابنته لم يودعها ولم يتبق له منها ما يدفنه،
وسيبقى هو وحيدا ضائعا لا يعلم منذ متى تخونه زوجته هل بغياب فجر أم بخيانة سبقتها بسنوات!!
تلك الجرائم حديثة العهد ببنية مجتمعنا المصرى وتكوين أفراده، والذى سطر التاريخ
شهامته ومقاومته ضد كل معتد على أرضه أو عرضه ، وتغنى البعض بجدعنته، هي أعراض اجتماعية
ونفسية، لجحود القلب و فجور النفس وشتت العقل، والتى إذا استفحلت، لن تمنعها قوانين
أو تحدها عقوبات .
لذا فعلى الأسرة بداية أن تراجع دورها ، فقد افتقدنا التجمعات الحميمية والتي
كان يتخذ على طاولتها أهم القرارات، وتشهد على أي تغيير فكري أو اعوجاج نفسي.
حان الوقت لتدريس منهج التربية الإعلامية، لتمارس المؤسسات التعليمية دورها
في تحصين المشاهد من التطورات الإعلامية وبعض مخاطرها، لتنمية وعيه فيختار المضامين
التي تناسبه أو تتفق مع بيئته.
ويكتمل ذلك ببيئة إعلامية ثرية وواعية، بتقنين بعض مضامين العنف بالدراما والتي يندمج معها المشاهد ويجد فيها متنفسه وفي أبطالها ضالته، فتؤثر على مخزونه النفسي
والعاطفي ، ولا بديل عن نشر ثقافة الحوار في البرامج المختلفة والالتزام بها، بعدما
وجد العنف اللفظي له مكان على الشاشات وبين الضيوف .
كل ذلك في إطار خطاب ديني سمح يحيي معاني الدين الصحيحة كالرحمة والمودة والسكن
والتي تغلف العلاقات الإنسانية والزوجية، فى بعض الفقرات والبرامج الدينية، بالتوازي
مع الندوات والنقاشات المباشرة بقيادة مشايخ الأزهر فى المدارس والجامعات تلك اللقاءات
الحية التي يفوق تأثيرها والتفاعل فيها ألف كتاب.
نحن فى حاجة لتنقية الإنسان من كافة الشوائب التي علقت به فغيرت فطرته السوية،
ولفتح الباب لحديث الروح مرة أخرى ذلك البرنامج الذى قدم مقتطفات
عنه الدكتور عبد الله شحاتة فى برنامجه على القناة الأولى في الثمانينات، ونشر تفاصيله
وزير الأوقاف د/ محمد مختار جمعة فى كتاب يحمل نفس الاسم عام 2018 ، وسبقهم في معانيه رجال الدين منذ القدم فكانوا الملجأ
لكل حزين وبوصلة أى متردد وملاذ أى مذنب مهموم ، إنه ذلك الحديث الذى تألفه النفوس
وتطمئن له القلوب فينساب داخل السريرة، ناشرا ببساطة نهج المحبة والسلام والوئام.