عهد الخيانة
أشادت أحدث دراسات المجلس القومي للمرأة، برئاسة الدكتورة مايا مرسي ومن خلال لجنة الإعلام برئاسة الأستاذة الدكتورة سوزان القليني، والتي رصدت صورة المرأة في الإنتاج الإعلامي الرمضاني، بمسلسل "خيانة عهد" للنجمة يسرا ، وعلى حد قول اللجنة "تفوقت النجمة يسرا علي نفسها في أداء هذا الدور".
فقد قدمت يسرا كعهدنا بها فى هذا المسلسل عمل فني مختلف، عزفت فيه بيد نسائية ناعمة علي أوتار الدراما الاجتماعية ذات الملمح الإنساني الحزين. وما أكثر عاشقيها من المصريين، فهى تطلق الصراح لأوجاعهم وتغازل دموعهم، بل إن قطراتها تسبقهم معلنة عن أفراحهم قبل أحزانهم.
وانفردت بجراءتها، تلك التي رافقتها طوال سنوات فنها، فكانت سر تألقها واستمرار نجوميتها، فقد رفضت أن تتجمد فى مرحلة عمرية أو حالة اجتماعية أو مواصفات شكلية، فأذابت كل الحواجز التى قد تسجن موهبتها وتحجم فنها وتحرم عاشقيها من الاقتراب منها وتذوق إبداعها.
اقرأ أيضا: ضربات دراما الاختيار
وقد أصابت بوعيها وفنها، فالفرس العربى الأصيل لا يزيده العمر إلاجاذبية يسحر بها الألباب والعيون ويسبق بها غيره من الخيول. ولم تبخل علي جمهورها في هذا المسلسل فأكثرت من آلاتها وتفننت في توزيعها ، فقدمت شخصيتين متناقضتين، تجد نفسك تميل معها في الأداء كما تشاء، فتتعاطف مع الضحية وتتوحد مع الجاني.
وبدأتها بمقطوعة هادئة عن الأخت ذات الوجه الملائكي غير الشقيقة، من أم ثرية مسيطرة و قوية، والتي أورثتها تركة من الأموال ممزوجة بالحقد والكره، فبقدر حب ابنتها لإخوتها كانت قسوتها، أما هبتها لابنتها فكانت التبصير وقراءة الفنجان، فتنبأت لها بابن وسيم وعائلة يمتد طرحها لسنين، فاعتمدت عهد على فنجانها عند أي شدة أو أزمة ونسيت الإيمان وإعمال العقل والحذر والحكمة.
معاناة عهد لخصتها مقولة في تراثنا من الأمثال "احذر عدوك مرة وصديقك 100 مرة"، إلا أنه لم يأت على لسان قائلها أو مخيلة كاتبها كيف أحذر أخي !
اقرأ أيضا: الإعلام وكتاب الدكتورة سارة !
فلم تكن تعلم إن بعض عهود الإخوة عقدت بألسنة كاذبة وأرواح مكسورة وقلوب حاقدة، فبذور التمييز قد غرست في سنوات الطفولة فلم يدركوا إنها ما لها ذنب، ولم تشفع لها سنوات روتها في شبابها بالإخلاص والثقة والحب.
وها قد أتي وقت الحصاد، بدأته حلا شيحة "فرح" الأخت الدكتورة، والتي نسيت قسمها، واستغلت علمها في توجيه ضرباتها، "بشد" وحيد أختها وقرة عينها للإدمان، ولإنها أولى به "فالخالة والدة" كما في تراثنا المصري، فقد ملأت وريده الذي يجرى فيه دمائها بسمها.
ولم يكفيها لنهاية حقدها سوى أن تراه غارقا فى دمه فلم تسعفه أو ترحمه، أما الأخ الأكبر خالد سرحان "مروان"، فكان نعم الظهر والسند، فقد قرر بدون تردد أن ينتزع من أخته، كل ما تبقى لها من زينة الدنيا بعدما فقدت ابنها.
وجع عهد جسدته الحلقة الرابعة عشرة، في مشهد دخولها الثلاجة لتتعرف على جثة ابنها، فنراها ترتجف بعنف وضعف كالذبيحة التى تعلن بجسدها فقدانها الروح علي غير رغبتها، ارتعشت يداها وهى ممسكة بوجهه، وأنكرت بلسانها وهى تحتضنه بعينها "مش هو......مش هو".
فلا هي قادرة على إحياء قلبها وضمه لصدرها ولا أن تودعه ساكنا وحيدا بعيدا عن جسدها، فما أقساها تلك اللحظات التى تفقد فيها الأم على "حياة عينها" ابن سكن أحشاءها وخرج يوم ميلاده باكيا على فراقه لجسدها.
اقرأ أيضا: يسرا: شوفت أمي في مشهد الوفاة في "خيانة عهد"
وارتفعت الألحان وسيطر عليها صوت الكمان، فعادت عهد بخطوات حزينة متلهفة لصورة أمها لا لتحتضنها بل لتكسرها محطمة برواز الخرافة والتنجيم، وكأنها اغتسلت بدموعها فتجدد إيمانها، و قد تقبل الله توبتها وأنار بصيرتها ، فتكشفت أمامها خيوط كانت تعلمها جيدا لكن أعماها الحب عنها.
فأطلت علينا بملامح انتقامية هادئة وزكية صعب عليك أن تلاحظها، عكستها نظراتها لإختها عندما لا تلتقي عيناهما، وحركات يديها الحانية لأخيها وهي تقدم له نصائحها والتي كانت لغزا يصعب علي ذلك المحام الشهير حلها .
فضمتهما لحضنها وزادت من عطائها، وبدأت انتقامها بالاتفاق مع الجهات الرسمية بتسجيل اعتراف أختها بجريمتها، وأضافت لمستها فقررت أن تشتري لها سيارة فارهة بها كافة الكماليات وبضعة أكياس من المخدرات، ومضت بيد باردة وضحكة واثقة على محضر سجنها، أما الجائزة الكبرى وهو عقد مصنعها فكان ثمنه حبل التف حول رقبة أخيها الوحيد قاتل زوجته بسهولة وبطء فأشفى غليلها.
ضاع الإخوة، فقد قتلتهم سهام الحقد، وكان العيب من الرامي فقد صوبه لقلبه قبل غريمه ،أما عهد فكان أبناء الأخ هما العوض وما يشتد به العضد، وفازت بقلوب نقية وبديل عن الولد، علي عكس كلمات أغنية المسلسل " الطيبين ما بيكسبوش".
وفق صناع المسلسل فى تسميته، ولكن لو جاز لى التعبير لسميته عهد الخيانة، فقد اختلط على الكثير ، إن العهود ليست كالوعود لا يشترط الإيفاء بها، ولا هى عقود محددة بشروط ومدة، بل هى مواثيق أبدية توقع بالحب وتختم بالولاء وتوثق بالأبدية وشهودها كافة الإنسانية.