ثم إنتحرت سناء !
كانت سناء تعمل معى عندما كنت طالبا فى
الصف الثانى الإعدادى فى أحد مطاعم مدينة دمنهور فى منتصف الثمانينات من القرن الماضى،
كانت صبية رقيقة نحيلة مهذبة، تأتى من قرية بجوار دمنهور كل يوما سعيا وراء لقمة العيش
لأسرتها التى توفى عائلها، و تركهم يصاعون حياة قاسية..
كانت تدرس و تعمل فى آن واحد،
مثل كثير منا، لكنها كانت أقل حظا لأنها كانت تضطر لقطع مسافة لا تقل عن خمسة كيلومترات
ذهابا، ومثلها فى العودة لتوفير نفقات سيارات الأجرة حتى تنفق على أسرتها، كانت سناء
قانعة راضية مؤمنة غير ساخطة على قدرها، و لكنها اذ فجأة إنتحرت !
عم الإنكسار أرجاء المطعم الذى كان نعمل
فيه سويا حزنا على تلك الفتاة المسكينة البريئة شقيقتنا فى الهم و الشقاء، بل إمتد
القهر ليشمل كل المحال القريبة منا، و هزم الحزن الحى السكنى باكملة خاصة بعدما علمنا
سبب الإنتحار..
ببساطة إنتحرت الشريفة العفيفة المجاهدة سناء، إذ تم
إغتصابها من أحد السفلة المنحطين عديمى الإنسانية و هى فى طريق عودتها لقريتها بجوار
دمنهور.. كانت منهكة متبعة مكبلة بالشقاء فأجهز عليها تماما هذا الوغد الحقير.. ماتت
سناء و إنتقلت لرحمة الله و تركت لى و لكل من عرفها غصة لا تنتهى أبدا مرارتها من قلوبنا
مدى الحياة !
كتبت اليوم عن سناء لأنها حقا رمز لمن جاهدت
و ناضلت لتعيش بشرف و كرامة، رغم حداثة عمرها و ضعفها الجسدى، كافحت فى عالم قاس مهلك
تنعدم فيى أرجائه العدالة و تنقرض المساواة، جاهدت بحق و ناضلت بشرف، ثم أنهت حياتها
لان شرفها و برائتها مسها أحد الجبناء الأنذال من مجرمى هذه الدنيا الذين لا يمارسون
حقارتهم و سطوتهم إلا على الضعفاء و النبلاء..
و لعلك تستطيع أن تقارن بين حالة سناء
رمز البراءة و الشرف و بين الفتاة التى تعايش على حادث إنتحاراها السادة الشواذ.. شواذ
العقل و الفكر و شواذ الجسد من أدعياء اليسار و الحداثة، و الذين رثوها لنضالها و برائتها !
أى نضال هذا و أى براءة تلك التى تجعل من
المجاهرة بالشذوذ عملا شريفا و برئيا و متحررا !، ربما كان همهم هو رثاء إنحطاطهم الخلقى
و إنحرافهم النفسى و شذوذهم الجسدى و تطرفهم و إفر اطهم فى الشهوانية التى تخجل منها
الحيوانات.. لقد تعمدت عدم كتابة إسم هذه الفتاة التى تاجر بها رفاقها، لأنها الآن
بين يدى الرحمن الذى لا نتألى على حكمته و حكمه و لا ينبغى لنا .
و لكن من اليسير جدا أن تلحظ أن هناك من
صنع هذه الفتاة و استغلها و تاجر بها فى أثناء حياتها القصيرة و بعد وفاتها، و ها هم
الآن يحاولون إقناع الأسوياء ممن لم تعرف فطرتهم إنحرافا بان الشذوذ أو ما يسمونه
بالمثلية الجنسية و الكويرية و غيرها من الأسماء المضللة هى أنماط من براءة الإنسان
و تنوعه و إختلافه بل و تميزه عن غيره، لذا فإن علم الرينبو أو قوس قزح الذى سجنت هذه
الفتاة بسب حمله و الترويج له هو علم النضال و الشرف و البراءة والحرية و الصدق مع
النفس..
إن كانت بريئة فلقد لوثتم برائتها، فلقد كتب إحداهن عنها نصا بأنها (كانت فى
بدايتها فتاة مؤمنة مصلية تردد أذكار الصباح و المساء ثم، تأثرت ببعض الرفاق ممن يعتنقون
الفكر الشيعى و ليس الشيوعى), ثم قابلت أحد أئمة الضلال فى مصر و الذى كان يدعوا لنقل
الحج إلى طور سيناء، ثم ألحدت بعدها و عاشت فى ريبة، ثم ( بشجاعة و براءة ) أعلنت عن
ميلها الجنسى المزدوج، فصنعوا منها مناضلة و بطلة و مجاهدة من أجل حقوق المقهورين الباحثين
عن الحرية !.. ثم إنتحرت فشعروا بأن مشروعهم الأوحد قد تقوض و إنتهى !
يمثل إنتحار هذه الفتاة إنتحارا لتيار من
اليسار المصرى، يتضامن معه كل منكرى الأديان و كارهى العقائد السماوية، و بعض فئات
المتطرفين من الليبرالين و أدعياء الحداثة و التحرر.. نعم هو إنتحارا جماعيا لمشروعهم
الذى إنحرف عن رعاية الفقراء و المناضلين المقهوين أمثال سناء و غيرها ممن قست عليهم
المجتمعات و السياسات الإقتصادية و دفعتهم للإنتحار و أصبح غاية مرادهم هو الإنحراف
الخلقى و الهدم القيمى..
كان فى إنتحار فتاتهم المثلية إنتحارا لهم جميعا، لأنهم وجدوا
الكثيرين ممن تضامنوا معهم مجرد شرذمة منبوذة حتى من أصدقائهم على مواقع التواصل الإجتماعى،
و لقد شعروا بأن مصداقيتهم مجروحة و مطعون فى نزاتها، مصداقية فقط فى الترويج لكل قبيح
منفلت منعدم القيمة الخلقية و الإنسانية، مصداقية تلوث الحرية و تشوهها، و تجعل من
الإنحراف قدسا واهيا و حصنا خاويا على عروشه.. رحم الله سناء و غيرها و رحمنا من شواذ
العقل و الفكر .
fotuheng@gmail.com