حكم الشرع في المكان الذى تعتد فيه المرأة
هل تعتد المرأة عند الفرقة في البيت الذى كانت فيه، أم يجوز لها أن تذهب إلى بيت أهلها لقضاء مدة العدة، وهل لها أن تخرج منه؟
وردت إجابة هذا السؤال في الجزء الخامس -المعاملات- من كتاب "أحسن الكلام في الفتاوى والأحكام" لفضيلة الشيخ عطية صقر، الرئيس الأسبق للجنة الفتوى بالأزهر الشريف، فيقول فضيلته:
تعتد المرأة في البيت الذي كانت تسكنه عند موت زوجها، سواء أكان البيت مملوكا لزوجها أم مؤجرا أم معارا، وهو مذهب الجمهور، ودليله حديث الفريعة بنت مالك بن سنان أخت أبي سعيد الخدري، لما مات زوجها خارج المدينة سألت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن ترجِع إلى أهلها، لأنه لم يتركها في مسكن يملكه ولا نفقة، فقال لها أخيرا: "اسكني في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله".. رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح.
اقرأ أيضا: حكم الشرع فى ارتداء النساء للملابس الضيقة
وملازمة البيت واجب عليها إن تركه لها الورثة ولم يكن عليها فيه ضرر، أو كان المسكن لها، فلو حولها الوارث أو طلب أجرا لا تقدر عليه جاز لها أن تتحول إلى غيره.
وقال جماعة من الصحابة، منهم عائشة وجابر: إن المتوفى عنها لا يلزم أن تعتد في بيت الزوجية، بل يجوز لها أن تقضيها في أي بيت، لأن الله حين أمرها بها لم يعين بيتا خاصا.
وقال عطاء: إن شاءت اعتدت عند أهلها وسكنت، وإن شاءت خرجت، لقول الله عز وجل: {فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ} (سورة البقرة: 240).
وفي اعتداد المطلقة جاء قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا}.. (سورة الطلاق: 1)..
اقرأ أيضا: حكم الشرع فى التسول دون الحاجة له
أي ليس للزوج أن يخرجها من مسكن النكاح ما دامت في العدة، ولا يجوز لها الخروج أيضا إلا لضرورة ظاهرة، فإن خرجت أثمت ولا تنقطع العدة، ودليله حديث مسلم عن جابر أن خالته لما طلِقت وأرادت أن تخرج لتقطع ثمر نخلها زجرها رجل، فسألت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: "بلى، فجذى نخلك فإنك عسى أن تصدقي أو تفعلي معروفا".
يقول القرطبي في تفسير الآية: والرجعية والمبتوتة في هذا سواء، وإضافة البيوت إليهن إضافة إسكان وليس إضافة تمليك، ثم قال في التعليق على الحديث: في هذا دليل لمالك والشافعي وابن حنبل والليث على قولهم: إن المعتدة تخرج بالنهار في حوائجها، وإنما تلزم منزلها بالليل، وسواء عند مالك كانت رجعية أو بائنة.
وقال الشافعي في الرجعية: لا تخرج ليلا ولا نهارا، وإنما تخرج المبتوتة نهارا.
وقال أبو حنيفة: ذلك في المتوفى عنها زوجها، وأما المطلقة فلا تخرج ليلا ولا نهارا، والحديث يرد عليه.
ثم ذكر القرطبي حديث الصحيحين في طلاق فاطمة بنت قيس طلاقا بائنا أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أذن لها أن تنتقل من بيتها الذي كانت فيه إلى بيت عبد الله ابن أم مكتوم لتعتد فيه لخوفها على نفسها في البيت الأول، كما جاء في بعض روايات الصحيحين، ولما اعترض البعض على ذلك ردت عليهم بأن عدم الخروج إنما هو في الطلاق الرجعي، لأن زوجها قد يراجعها ما دامت في عدتها، أما البائن فليس لها شيء من ذلك.
اقرأ أيضا: حكم الشرع فى التستر على المعصية
فالخلاصة: أن المتوفى عنها زوجها تعتد في بيت زوجها، ولا تتركه إلا لعذر مقبول، وذلك على رأي الجمهور. وأجاز لها البعض الخيار في أن تعتد في أي مكان تشاء، ولها أن تخرج نهارا لكسب عيشها.. وأما المطلقة طلاقا رجعيا فتعتد في بيت مطلقها وتبيت فيه ليلا، وأما خروجها نهارا لحاجة ففيه خلاف.
أما المطلقة طلاقا بائنا فتعتد في بيت مطلقها أيضا، ولا تتركه إلا لعذر، وقيل: يجوز لها أن تعتد في غيره، كما في حديث فاطمة بنت قيس، ولها الخروج نهارا للحاجة.
هذا، وما دام الأمر خلافيا فيجوز الأخذ بأحد الآراء دون تعصب له، فالرأي الاجتهادي صواب يحتمل الخطأ، أو خطأ يحتمل الصواب، وبهذا لا يكون هناك تناقض، ولا تضارب في أحكام الشريعة المنصوص عليها، والمتفق على صحتها.