الفيروس واحتجاجات أمريكا!
طغى حديث الاحتجاجات المستمرة التى تشهدها الولايات المتحدة والمعروفة باحتجاجات جورج فلويد وهو الشاب الأسود الذى قتله شرطى أبيض عمدا على أى حديث آخر، بما فى ذلك وباء كورونا الذى سجلت فيه أمريكا أكبر الإصابات والوفيات فى العالم..
حيث تذكر أمريكا الأن يكون ذلك مقترنا بأخبار تلك الاحتجاجات التى دخلت أسبوعها الثانى بلا توقف، بل إنها تتسع وتتزايد.. وقد فسر البعض ذلك بأن حادث القتل كان عملا عنصريا بشعا فجر غضبا مكتوما فى صدور الأمريكيين الذين يعانون من هذه العنصرية والذين يرفضونها.. وفسر تصاعدها آخرون بالطريقة المثيرة للاستفزاز التى تعامل بها ترامب مع الحادث وأيضاً مع الاحتجاجات..
حيث أدان عمليات العنف والسلب والنهب والتدمير التى صاحبتها دون أن يدين حادث القتل العنصرى البشع ، لانه كان مهتما بحشد الكتلة الانتخابية من الأمريكيين البيض المتعصبين والحفاظ عليها.. بينما فسر فريق ثالث هذا التصاعد فى الاحتجاجات باستثمار الديمقراطيين لها والعمل على استمرارها وزيادة حدتها من خلال وسائل الإعلام لإضعاف ترامب فى الانتخابات الرئاسية المقبلة.. وهذا ما يعتقده ترامب نفسه وردده فى تصريحاته الصحفية.
اقرأ أيضا: ترامب يتفوق على الحاج محمود!
وربما يكون ذلك كله صحيحا وله تأثير فى اشتعال حدة هذه الاحتجاجات التى تشهدها بلا توقف الولايات المتحدة.. لكن قبلها لا يمكن إغفال تأثير وباء كورونا فى تراكم غضب قطاع من الأمريكيين منهم الأمريكيين السود، وانفجار هذا الغضب نتيجة حادثة قتل جورج فلويد..
فقبل هجوم فيروس كورونا المستجد على الولايات المتحدة كان ترامب قد حقق ما يعتبره إنجازا اقتصاديا ضخما بتوفير فرص عمل أكثر للأمريكيين، مما أسهم فى تخفيض معدل البطالة، وبالتالى أتاح قدرا من التحسن فى مستوى معيشة قطاع من الأمريكيين.
وكان ترامب يراهن بقوة على ذلك فى تحقيق الفوز فى الانتخابات الرئاسية المقبلة التى ستجرى بعد نحو خمسة أشهر.. غير أن هجوم ذلك الفيروس المستجد على امريكا كانت له تداعياته الاقتصادية السلبية عليها، وزاد من حدة هذه التداعيات الاستهانة التى تعامل بها الرئيس الأمريكى فى البداية مع خطر ذلك الفيروس..
اقرأ أيضا: كوارث ترامب لا تأتى فرادى!
وبالتالى تأخره فى اتخاذ إجراءات احترازية لمواجهته.. وقد كان نصيب الأمريكان السود والملونين من هذه التداعيات هو النصيب الأكبر، خاصة وأن ربع الأمريكيين من أصحاب البشرة السوداء البالغ عددهم ٤٢ مليون أمريكى كانوا قبل أزمة كورونا يعيشون تحت خط الفقر، والربع الثانى يعيش على هامش هذا الخط ، وعندما يفقد بسبب الوباء كثيرون منهم أعمالهم وترتفع نسبة البطالة بينهم إلى ١٧ فى المائة فالأغلب إن نسبة ليست قليلة من الذين يعيشون على هامش خط الفقر سقطت تحت هذا الخط وصاروا فقراء لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم الضرورية .
وبذلك تداعيات الوباء راكمت غضبا فى صدور قطاع من الأمريكيين، وجاء حادث مينابوليس العنصرى ليفجره ، ولأن ترامب لم يحسّن التعامل مع هؤلاء الغاضبين ولم يقدر سبب غضبهم زادت الاحتجاجات حدة واتساعا ولم تتوقف..
اقرأ أيضا: الحكومة وأزمة النقد الأجنبى !
وهكذا صنع ذلك الفيروس الضئيل الحجم والذى لا يرى بالعين المجردة أزمة كبيرة لرئيس أكبر دولة فى العالم.. ولعل ذلك السبب الرئيسى فى هجومه الحاد على الصين التى يعتبرها ابتلته به ولم تمنع انتشاره خارجها فقام بغزو بلاده، ليبدد ما يعتبره أهم إنجازاته التى كان يتباهى بها ويقول إن أحدا من رؤساء أمريكا الذين سبقوه لم يحققها مثله..
وإذا كان مبكرا بعد تلك الاحتجاجات التنبؤ بنتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية فإنه ليس من المبكر الاستنتاج بأن مواجهة تأثير التداعيات الاقتصادية لوباء كورونا على الناس تحتاج من القادة إلى التحلى بأقصى قدر من الحكمة.