الأرض المستباحة.. خطة لتقسيم ليبيا إلى 3 دويلات.. وإعلان القاهرة فرصة أخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.. وميليشيات أردوغان تواصل الإجرام
دخلت الأزمة الليبية الأسبوع الماضي في طريق يحمل مسارًا واحدًا إلى الفوضى والخراب دون مسار آخر يمكن العودة منه إلى حلم الدولة واستغل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان انشغال العالم بجائحة كورونا ونقل من الأسلحة والعتاد والمقاتلين والمرتزقة ما يكفي لفرض نظرية الأرض المحروقة على جميع الأطراف.
أردوغان
دخول أردوغان بكامل الثقل التركى إلى ليبيا وإدارة قرارها في طرابلس من أنقرة لم يخل من غطاء دولى عاونه سواء بغض الطرف أو البيانات المضللة بمفردات التنديد الخلابة التي خدرت الجميع لحين اكتمال الزحف على النقاط الحساسة وسقوطها الواحدة تلو الأخرى حتى تمركزت في سرت لتبدأ ولن تتوقف لكون الهلال النفطى هو الهدف الأعظم للجميع.
وبات من غير المستبعد حال غفلت مصر أن تصحو في يوم على وجود قوات تركية ومرتزقة من سوريا يتمركزون عند معبر أمساعد الفاصل على الحدود ليبدأ بعدها تنفيذ منطقة عازلة على حدود مصر على غرار ما يحدث في أدلب السورية.
القاهرة تتحرك
القاهرة التي تعى خطورة ما يحدث ومنعها نهجها في مبدأ التعامل بشرف الذي تحدث عنه الرئيس عبد الفتاح السيسي من استغلال الظرف والتواجد عشرات الكيلومترات بالداخل الليبي عسكريا ، وخاضت معركة سياسية بهدف بناء دولة مؤسسات هناك بكل نزاهة رغم العقبات التي وضعتها قوى كبرى حيث وضعت جسد ليبيا على طاولة تشريح تنتظر منه قطعة تحمل في جوفها نفطا أو غازا.
الدور المصري الذي لم ينقطع في الملف الليبي سياسيا رغم معاناة القاهرة من أزمات على الصعيد الداخلى إلى جانب محاربتها الإرهاب في سيناء وتكفلها بدورها التاريخى في القضية الفلسطينية ، علاوة على توتر في الجنوب جراء مراوغات إثيوبية في ملف سد النهضة ، هذه الأزمات كلها لم تعطل الدولة المصرية عن ممارسة دورها الحيوي في ملف الجارة المعقد ، وأصدر السيسي إعلان القاهرة بالتوافق مع المستشار عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي والمشير خليفة حفتر القائد للقوات المسلحة الليبية.
إعلان القاهرة
إعلان القاهرة بالرغم من حمله خارطة سياسية كفيلة بإعادة الروح إلى جسد ميت يبعث داخله حلم الدولة إلا أن المدقق للوضع هناك يدرك جيدا أن رسالة القوى الدولية المتواجدة فعليا فوق الأرض الليبية ملخصها: "لا دولة ولا استقرار لأحفاد عمر المختار".. فلم يعد مسموحا بفكرة إقامة دولة مؤسسات ، واتخذ قرار أممي بجعلها أرضا مستباحة يمنح جواز المرور داخله تجار نخاسة لا يعرفون معنى الوطن.
فجميع الأطراف على ما يبدو استمرأوا الدعم الخارجى ويخشون على مناصبهم ومكاسبهم حال انتهاء الأزمة بطريقة سوية إضافة إلى عصابات هجرة غير شرعية لم تفرط في مكاسبها بعدما باتت الأرض محطة عبور إلى المتوسط بدون ضوابط وتجار موت يرابطون على الحدود لنقل الأسلحة والمخدرات وتمرير العناصر الإرهابية إلى الجوار لا يخشون مغبة المساءلة القانونية ، ودول جوار لا ترغب في مشاهدة معمر قذافى جديد قابع على ثروات طبيعية تمكنه من لعب دور مستقبلي في سياسة عرب الشمال أو دول القارة.
تواطؤ دولي
القوى الدولية الفاعلة التي راقبت المشهد وحللت النفوس في الداخل قررت هي الأخرى الدخول بقوة في لعبة الأرض المستباحة وتواجدت سياسيا وعسكريا واستخباراتيا بهدف التحكم في قواعد اللعبة.
تقسيم ليبيا
ووفقا لتوقعات خبراء - فإن جميع الطرق سوف تنتهى بالدولة الليبية إلى 3 دويلات لكل منها نظامه ، وتحت يده ثرواته الطبيعية مستباحة للمعسكر الداعم ، في الشرق تتواجد روسيا ومعها فرنسا وربما يمنحان دورا أكبر لظهور عقيلة صالح سياسيا وتراجع حفتر عن دوره السياسي ، وفى الغرب تتواجد تركيا إلى جانبها إيطاليا وأمريكا يتكفلون بصياغة البيانات ليقوم بإعلانها السراج.
والخطوة التالية بعد دولتى برقة في الشرق وطرابلس في الغرب من المتوقع وسط العملية السياسية الوهمية إعلان دويلة فزان في الجنوب لترضية القبائل وضمان تحييدها لتبدأ معها معركة الخطوط الفاصلة.
أيضًا من المرجح أن يتضح في نهاية المطاف سر العبث التركي في مياة المتوسط والمناوشات المصطنعة مع مصر و الذي يصب في خانة التمهيد للخطة الليبية بهدف إجبار القاهرة على ابتلاع حبة الدواء المر برؤية جارتها الغربية تتمزق إربًا مقابل اشتراطها فقط عدم تواجد قوات الوفاق وميليشياته على حدودها الغربية ولفهم أبعاد التدخل الأجنبى بهدف معرفة حجم العقبات التي تواجه خطط مصر السياسية في ليبيا.
من جهته ، يقول الدكتور عمرو الديب أستاذ العلاقات الدولية في جامعة "نيجني نوفغورود" الروسية ومدير مركز خبراء ريالست الروسي: بعد أن كانت قوات الجيش الوطني الليبي على بُعد 3 كم فقط من العاصمة الليبية- طرابلس تدخلت تركيا عسكريًا وقامت بنفسها عن طريق غرف العمليات الخاصة بها، وعن طريق أعداد من المرتزقة السوريين من إيقاف تمدد قوات الجيش الليبي، بل دفعت قواته إلى التراجع تكتيكيًا ، والانسحاب من قاعدة الوطية الجوية فضلا عن السيطرة أخيرًا على مدينة الترهونة الإستراتيجية من جانب ميليشيات حكومة الوفاق الليبية.
وأضاف: إذن نحن أمام حقيقة تغير الخريطة الميدانية في ليبيا، بسبب دخول تركيا على خط المعادلة الخاصة بهذه الأزمة ، والمهم هنا هو ليس فقط التحركات التركية، ولكن الأهم هو وقوف القوى الغربية جميعها ما عدا ألمانيا وفرنسا مع تركيا في هذا الملف ، وبسبب أهمية الأراضي الليبية ، نجد أن هناك وجودا ميدانيا لهذه الدول الغربية من أجل دعم حكومة الوفاق الليبية.
حكومة الوفاق
وهناك مجموعة اتصال متواجدة داخل مطار مصراتة هي المسئولة عن التعاون مع حكومة الوفاق، هذه المجموعة تشمل 3 ممثلين عن وكالة المخابرات المركزية بما في ذلك مترجم، وموظفو اتصالات (2 عسكريين) ، أما قسم الحماية الشخصية فيتكون من 10 أفراد من داخل شركة عسكرية خاصة (شركة أكاديمي) الأمريكية ، وهي وريث شركة بلاك ووتر ، ويتم نشر المجموعة في مخبأ محصن يمكنه تحمل الصواريخ من الطائرات بدون طيار التي تقوم بغارات جوية منتظمة على أهداف في المنطقة.
أما في غرب ليبيا في منطقة الزنتانة فهناك مركز استخبارات إلكتروني فرنسي عززه 4 عملاء لمديرية الأمن الخارجي بوزارة الدفاع الفرنسية.
المركز الوظيفي مسئول عن ضمان التواصل مع القيادة العسكرية والسياسية لحكومة الوفاق الوطني وجمع المعلومات وتقييم الوضع على مسار الأعمال العدائية في غرب ليبيا وفي مدينة مصراتة يصل عدد القوات البريطانية إلى 10 جنود من الفوج 22 من الخدمة المحمولة جوا (ساس) للقوات المسلحة البريطانية.
تقع هذه المجموعة في قاعدة المستشفى الميداني لمجموعة "أبقراط" الإيطالية.. الهدف الرسمي للنشاط هو جمع معلومات حول الوضع العسكري السياسي في البلاد وتنظيم الاتصال مع قيادة حكومة الوفاق بالإضافة إلى ذلك في المناطق التي تسيطر عليها حكومة الوفاق لضمان التشغيل المستقر لخط أنابيب الغاز(خط أنابيب الدفق الأخضر) Green Stream الذي ينقل الغاز الطبيعي من المناطق الوسطى من ليبيا إلى جزيرة صقلية في مدينة مصراتة ، نشر الإيطاليون المجموعة العسكرية التشغيلية "أبقراط" وذلك تحت غطاء مستشفى ميداني.
إيطاليا
ويوضح الديب أنه مع بداية هجوم الجيش الوطني الليبي في طرابلس في أبريل 2019 زادت قوة هذه المجموعة العسكرية الإيطالية من 350 إلى 1200 جندي ، وتم نقل أنظمة الدفاع الجوي والمدفعية إلى ليبيا في الوقت الحالي ، بالإضافة إلى حل القضايا الاقتصادية الأجنبية ، تواجه مجموعة "أبقراط" الإيطالية مهام جمع ومعالجة المعلومات.
وتوفير المساعدة الطبية للسكان ، وتنسيق الإجراءات المشتركة مع خفر السواحل في حكومة الوفاق لمنع الهجرة غير القانونية إلى دول الاتحاد الأوروبي وفي الوقت نفسه ، تقوم الشركات الاستشارية الأمريكية والعسكرية الخاصة بتدريب القوات الخاصة والجماعات التخريبية من متشددي الجماعات المسلحة غير الشرعية التي تشارك في معارك ضد الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.
روسيا
وفي الوقت نفسه يجري العمل لدمج الجماعات المسلحة غير الشرعية في القوات المسلحة النظامية لحكومة الوفاق في طرابلس أما الاتحاد الروسي فلديه قوات الشركة العسكرية الخاصة (فاغنر) والتي قال عنها فلاديمير بوتين إنها تتواجد بالفعل هناك ولكن لا تمثل المصالح الروسية الرسمية ولا تتلقى أموالا من الحكومة الروسية أما تركيا فلديها حاليًا نحو 15 مركز عمليات في مناطق مختلفة.
وهذه المراكز تدير ميليشيات من المرتزقة السوريين الذين يتعدى عددهم 10 آلاف مرتزق بعد أن تم توضيح خريطة القوى الخارجية في الداخل الليبي، يتضح لنا أن مسألة الحسم العسكري بعيدة المنال نظرًا لتعدد اللاعبين الدوليين والإقليميين مما يجعل الحديث عن التوصل لحل سياسي أمر حتمي فليس من مصلحة كل هؤلاء وأولهم القوى الداخلية الليبية استمرار العمليات العسكرية بعد التراجعات الأخيرة لقوات الجيش الوطني الليبي والتي جاءت بسبب دعم عسكري واضح من تركيا ودعم من جانب بعض دول حلف الناتو، بالإضافة لصمت روسي غريب صارت عملية الحديث عن العودة للمفاوضات ضرورة. فنظن أن مسألة صمود قوات الجيش الليبي أمام هذه القوى أمر صعب.
لذلك جاءت زيارة المشير خليفة حفتر والمستشار عقيلة صالح للقاهرة وزيارة رئيس حكومة الوفاق لأنقرة وزيارة وفد من حكومة الوفاق لموسكو واستئناف عمل اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5 كبارقة أمل في استئناف حقيقي لمفاوضات يمكن أن تؤدي لحل يرضي الجميع ولو بشكل مؤقت وهنا يبرز الدور الروسي في قيادة هذه المباحثات.
وبحسب عمرو الديب هنا لا يمكن الحديث عن روسيا كفاعل إستراتيجي في الداخل الليبي. لكن يمكن تسمية دورها بالوسيط المهم، فالفاعلين الرئيسين في ليبيا (مصر، الإمارات، تركيا، إيطاليا، بريطانيا، الولايات المتحدة وفرنسا) فإمكانيات روسيا الحالية لا تجعلها سوى وسيط مقبول في ليبيا، سواء من جانب داعمي الجيش الوطني الليبي أو من جانب تركيا وإيطاليا وفرنسا فبالرغم من ذلك روسيا خلال دور الوسيط لم تنجح في بداية هذا العام.
ولم تلتقي الاحترام حتى من جانب الأطراف الفاعلة وعلى رأسهم المشير حفتر (عندما غادر موسكو بشكل مفاجئ في يناير الماضي) وهذا بسبب عدم وجود دعم من جانب القوى الفاعلة وأهمها مصر.
وحول الدور التفاوضي الروسي يؤكد الديب أنه مرتبط بشكل كبير بالدعم المصري والإماراتي من جانب وبالدعم التركي الإيطالي والفرنسي من جانب آخر ، مضيفا: "بشكل عام الموقف الليبي حاليا محتاج أكثر من أي وقت مضى إلى التفاوض ، وعملية التفاوض روسيا ستكون هي الدولة المقبولة من كل الأطراف لقيادتها في هذه الفترة".
لكن في نهاية المطاف وبالرغم من كل التحليلات والمخاوف من المؤامرة الكبرى التي تحاك على أرض عربية جديدة دخلت شلال دم لن يكف عن التدفق قبل عقد كامل من الزمن ، يظل الشعب الليبي الأمل في خوض معركة طرد الجميع من بلاده وتحقيق العبارة الخالدة للمجاهد الشهيد عمر المختار: "نحن لا نستسلم.. ننتصر أو نموت".
نقلًا عن العدد الورقي...