ثلاثة ألغاز في الأزمة الأمريكية
مع دخول حملة الاحتجاجات الشعبية في الولايات المتحدة يومها التاسع، ومع ظهور تداعيات مماثلة لها في لندن وباريس وكندا، متعاطفة مع السود الأمريكان ضد العنف البوليسي، بدأت تساؤلات عديدة، تقفز من الهامش إلى قلب المشهد.
صحيح أن الأعداد تتزايد والمطالبات بالعدالة الناجزة تتعالى، لكن يثير الانتباه أن الآلاف من المحتجين على الموت المهين للأمريكي الأسود هم أنفسهم يعرضون حياتهم، ليس فقط للسجن، بل للموت والإصابة بكورونا.
كيف يجازف آلاف المواطنين بالنزول والاحتشاد والمواجهة دون أن يساورهم الهلع والجزع؟ أمس كان محامى الضحية جورج فلويد يتحدث وسط جموع كبيرة وكح عدة كحات.. لم يكن بكمامة ولا شقيق فلويد كان بكمامة.. ومرت الكحة كأنها نسيم عليل.. ما السر في هذا التهاون؟
اقرأ أيضا: الرومانسية الوطنية في الاختيار!
وما السر في ظهور رجال البيت الأبيض يتصدرهم الرئيس ووزير دفاعه ووزير العدل.. ورجال الأمن والخدمة السرية.. يقطعون الشارع على الأقدام، ولا كمامة واحدة على وجه رجال الإدارة.. وبالطبع ترامب.. من أين هذه الثقة، وهل هى ثقة أم لقاح أم استهتار؟
لاحظ الناس أيضا أن الرئيس ترامب لم يشحب ولم يذبل ولم يضعف.. تكاثرت عليه المصائب والأوبئة والمظاهرات وعصيان حكام الولايات لأوامره وتكليفاته، لكنه لا يزال رغم تجاوزه السبعين متماسكا يقظا ولسانه حاد يلطم هذا ويلطم ذاك!
وقع تسريب صوتى لبعض موظفى البيت الأبيض عن عدم وضعهم الكمامات.. وسمع الحاضرون من الإعلاميين قول موظفي البيت إنه لا داعى للجزع.. فإنهم حصلوا على اللقاح..
اقرأ أيضا: الحياة بالخصم!
من جانبه اعترف ترامب بأنه أخذ دواء الملاريا هيدروكسيى كلوركين للوقاية.. تحت إشراف طبيبه، رغم تحذير منظمة الصحة العالمية من أخطار تعاطيه.. وبالفعل حرمت فرنسا استخدامه.. ومصر تواصل توظيفه بشروط ومعايير لفعاليته.
لا الشرطة الأمريكية التى تواجه الاحتجاجات.. مكممة.. في مشاهد عديدة زاخرة بالصراخ والاقتراب الخطر.. ولا الرئيس.. ولا وزراء معه.. ولا آلاف المواطنين المحتجين.. ما السر؟ لا أحد يعرف.
حصيلة الإصابات حتى أمس مليون وتسعمائة ألف تقريبا، وحصيلة المتوفين بالكورونا ١٠٨ آلاف، وبالطبع ستزداد الأعداد من الإصابات والوفيات.. وستظهر النتائج تباعا، لأن المواجهات والمظاهرات والمسيرات بدأت من أسبوع..
من الملاحظات أيضا أن هذا نوع غريب من الاحتجاجات.. برز فيه اليساريون المتطرفون.. وبرز فيه اليمين المتطرف، وبرز فيه اللصوص، وكلهم دمروا وأحرقوا وسلبوا ونهبوا.. وكلهم ومع المحتجين العاديين. يطالبون بالعدالة لمعاقبة الشرطة المتوحشة. رسائل ترامب بأنه لن يهدأ حتى يأتي بالعدالة لأسرة جورج فلويد الميت خنقا تحت ركبة الشرطي القاتل.. لم تهدئ مشاعر السخط والاحتقان ضد الشرطة الأمريكية الفظة في تعاملها مع المواطنين.
اقرأ أيضا: المؤامرة المتبادلة والأدلة الغائبة!
قيام رجال الشرطة في ولاية، منيسوتا، في منيابوليس حيث قتل جورج فلويد.. بالركوع اعتذارا وجبرا للخواطر.. أيضا لم يفلح في صرف الناس عن المسيرات.. والهتافات.. هتافات ولافتات تدعو إلى رحيل ترامب لم تكن مؤثرة.. عددا وتحريضا.. وإذا كان ذلك كله كذلك.. فلماذا الناس لايزالون بالشوارع والميادين وأمام اسوار البيت الأبيض؟
إلى متى؟ وماذا يريدون حقا؟ وهل هذا كله بسبب قتل امريكي اسود قتل قبله المئات مثله بهذه الطريقة، وربما أسوأ، أم أن الحادثة مع الوباء مع الفقر والبطالة مع الانهيار مع الحالة النفسية مع فشل ترامب في إدارة الأزمة.. كلها عوامل وراء الاحتجاج من أجل لا هدف!
تريدون العدالة؟ سيحاكم الجناة. ما الذي يبقيهم في الشوارع حتى الآن؟
المشهد مفتوح.. لكن هناك ورقة مخبأة غامضة.. لم تظهر بعد..
ونتابع..
