الرومانسية الوطنية في الاختيار!
بعد الاختيار، والممر، ومن قبلهما ناصر ٥٦، تأكد لنا جميعا أن المواطن المصري لم يفقد حساسيته.. وعاطفته.
بمعنى آخر أن الإنسان الحساس في الحب هو المواطن الحساس في الغيرة على وطنه. هذه بديهية، لكنها للأسف والأسى الشديدين لم تعد من المسلمات والبديهيات، وسط انقلاب المعايير في الاخلاق وفي الاحساس، مما أدى إلى شيوع القبح وسيادة القسوة والغلطة وجمود المشاعر.
في رمضان تابع المصريون بشغف وبشعور جارف فيضاني حقا، مسلسل الاختيار الذى جرف كل القلوب من جذورها ورجها رجا في حلقة معركة البرث ،فما من بيت وطنى طبيعي في هذا الوطن إلا وانهمرت الدموع من عينيه، وهو يتابع لأكثر من نصف ساعة معركة حربية كاملة التفاصيل، بالدم والبارود والدموع ممزوجة بشجاعة الرجال وبسالة الأبطال.
اقرأ أيضا: 100 وش للكاملة أبو ذكرى!
كثيرون ممن لديهم خاصية المنصة الرقمية واتش أوقفوا الفرجة لالتقاط الأنفاس، ومسح الدموع وتهدئة الأولاد والشباب.. الذين بكوا يريدون أن يصيروا ضباطا وجنودا للثأر.. ولم يطل غيابهم إذ عادوا ليتابعوا قصة الرجولة والمواجهة بين القوة المصرية من الصاعقة بقيادة البطل مقدم أحمد منسى وبين أكثر من ١٥٠ إرهابيا..
بكينا كما لم نبك من قبل.. ونمنا ليلة حزينة لكننا عرفنا من جديد أننا كنا في غفلة حقيقية عن تفاصيل مرعبة وتضحيات جسيمة بأرواح وأجسام أولادنا، بينما نحن نرتع في اللغو وفي الجدال.. وناس غارقة في الارتشاء وفي اللهو.. أو تعمل حاضنة لأفكار القتلة.. خلايا لا تزال نائمة في الوزارات، وبالذات شركات للبترول، وفي التعليم، وفي الصناعة وفي الزراعة... وفي الكهرباء والمياه. هم متربصون.
لكي تموت شهيدا لابد أن تعيش شهيدا.. عبارة عاش بها البطل أحمد منسى.. وقاتل وهو مؤمن أن الله سيفتح له أبواب الجنة.. هذا وعد الله الحق، والله لا يخلف وعده.
من أين جاء لمنسى اليقين؟ لماذا سعى إلى الشهادة مقاتلا حتى آخر طلقة؟
اقرأ أيضا: المؤامرة المتبادلة والأدلة الغائبة!
لأنه أحب الله.. ثم احب الوطن، وذلك هو كمال الرومانسية. هي الرومانسية الوطنية الحقة. أحب بلده وناسها.. لأنه يحب الله، ويلتزم بأوامر الله. لم يهتز يقينه لحظة واحدة.. وهو واقف وحده فوق سطوح الكمين المهدم والكلاب المسعورة تتقدم نحوه، يقنصهم كلبا وراء كلب.. حتى غدر به كلب منهم من الخلف برصاصة.
هذا الفيض من الشعور الديني الوطنى نبع من بيت طيب، وأب صالح عطوف، وأم قوية محتسبة وزوجة سند وحنان.. كانت تعلم أن استشهاد منسى مسألة وقت..
هل مات؟ كلا.. لم يمت.. خلده التاريخ عميقا في وجدان الأمة كأشرف الأبناء، ومعه الأبطال كلهم رامي حسنين، وشبراوى ومغربي وخالد وأحمد والسباعي وصلاح وتايسون ومايكل وعلي علي. كان الإرهابيون ١٥٠ وكانت قوة الكمين ٢٦ ، استشهد ثلاثة وعشرون وأصيب ثلاثة.. وتم قتل ٤٠ إرهابيا في قتال مرير لأربع ساعات بدون دعم لأبطال الكمين… حتى المدرعات زرعوا لها ألغام وانفجرت مدرعة مغربي..
اقرأ أيضا: مسحة الكورونا.. وخطفة عزرائيل!
جاء الطيران متأخرا.. لكنه وصل و فر الكلاب هربا ولم يفلحوا في أسر جندي أو رفع علم الدواعش على مبنى الكمين ليحصلوا على زفة إعلامية كاذبة. من أهم ما كشف عنه المسلسل هو جوهرة الجذوة الوطنية المصرية.. الروح المصرية بخير وسليمة ولم يضربها فيروس الخيانة.. النار المقدسة موجودة، كامنة، تشتعل وجدا وموتا وقتلا إذا دعا الداعي ...
هذا هو المكسب الحقيقي للمسلسل.. وهو مردود يعني أن المصريين بحاجة لمزيد من الأعمال الوطنية والتاريخية والدينية التى تعززصحيح الدين، وتربي الشباب على القيم التى تربى عليها أبطال مصر في حرب أكتوبر وقبلها حرب الاستنزاف، وحرب تحرير رفح من الإرهاب.. والتى لا تزال مستمرة..
معركة البرث.. ستبقى رمزا للرجولة والرجال.