المؤامرة المتبادلة والأدلة الغائبة!
يلفت النظر فى سلسلة القذائف الكلامية المتبادلة بين البيت الأبيض، وبالذات الرئيس الأمريكي، وبين المسئولين فى بكين، أن الطرفين يلقيان على بعضهما البعض مسئولية تخليق الفيروس الفتاك كورونا.
يلفت النظر أيضا أن الزج بنظرية المؤامرة فى تصريحات رجل البيت الأبيض المتداعى، والردود الصينية القاسية، لحد السخرية، يؤشران إلى استهلال حقبة غريبة فى وقت غريب، بكل المقاييس، من الحرب الباردة بين بكين وواشنطن.
يلفت النظر ثالثا فى هذه الحرب الباردة بين عملاقين اقتصاديين وعسكريين.. إن رجال إدارة ترامب في أجهزة الاستخبارات كافة، يرفضون فكرة إن الصين صنعت وخلقت الفيروس، للإطاحة بفرص ترامب في الفوز بفترة رئاسة ثانية.
اقرأ أيضا: تحويل الفاتورة على الصين
وبالطبع يبدو ترامب فى مأزق سياسي حرج بعد انهيار الاقتصاد الذي بناه منذ عام ٢٠١٦، ونجح في خلق ملايين الوظائف.. وإذا بفيروس حقير خطير خفى يطيح بكل ما حققه.. ويفسح الطريق للديمقراطيين بقيادة جو بايدن.. منافسه إلى البيت الأبيض.
مدير مكتب الاستخبارات الوطنية الأمريكية، وهو المشرف على أنشطة كافة الوكالات المعلوماتية في الولايات المتحدة، برأ الصين حين قال إن الفيروس طبيعي وليس معدلا جينيا.. وإنهم في طور التحرى والفحص.. ولا دليل.
بعدها بساعات قليلة انتقد ترامب تقارير أجهزة مخابراته كالعادة وقال تلقيت التقارير ونظرت فيها ورأيت أدلة على أن الصين هى الفاعل!
سأله صحفى: من أين لك هذه الثقة في أن الصين هى الفاعلة وهل لديك الدليل؟
أجاب ترامب مرتين: نعم، نعم لدي أدلة لكن غير مسموح لي أن أخبركم بها!
اقرأ أيضا: تسييس الفيروس
معروف أن ترامب سبق له أن سخر من أجهزته المخابراتية علنا ووصفها بالساذجة.. بشأن تقاريرها حول إيران.. وكوريا الشمالية.. وموقفه منها هو العداء والاستمالة.. والمسايرة.. ثم الانقضاض عليها إعلاميا حين تناقض توقعاته.
وإذا كانت المخابرات الأمريكية سبقت ترامب وقطعت عليه الطريق في تبنى نظرية تآمر الصين عليه وتسخير منظمة الصحة العالمية لخدمتها كوكالة علاقات عامة، وأن الاثنين اتفقا على إخفاء معلومات عن بدء الفيروس ومدة انتشاره وخروجه من ووهان إلى بقية العالم، فإن حلفاء أوروبيين لترامب، وبالذات بريطانيا يرفضون تآمر الصين، وإن كانوا يتحرون عن ضلوعها في تخليق الفيروس وخروجه عن السيطرة على سبيل الخطأ.
بمعنى آخر فإنهم لا يرون أن الصين تآمرت بالفيروس لمنع انتخاب ترامب ولاية جديدة بسبب الحرب التجارية السجال بين الدولتين.
إصرار ترامب على أن الصين تحاربه وتبدد فرصه.. له هدف محدد.. هو إلقاء اللوم على قوى خارجية ينبغى عقابها.. وهو يدرس أنواع العقاب.. وفي الاغلب، سيكون المطالبة بتعويضات هائلة بسبب الخسائر في الأرواح والأموال.
الفكرة الأخيرة هى ما تسعى إليه أوروبا. وفي الوقت ذاته، تتعامل الصين مع أوروبا بوصفها صاحبة خبرة فعالة في وأد الفيروس وتحجيمه. ولا يبدو ذلك ناجحا لأن ثلثي الربع مليون وفاة بسبب كورونا.. من الإيطاليين والإسبان والبريطانيين والفرنسيين والألمان.. أساسا وبعدهم السويد والنرويج.. وغيرهم.
اقرأ أيضا: العالم فى خطر
في الوقت ذاته أيضا يتقدم الديمقراطيون بثقة وحقق بايدن تقدما على ترامب في استطلاعات الرأي التى يمقتها ترامب ويرفضها.. ويعتبرها غير دالة على مركزه الحقيقي لدى الناخبين. منهج الإنكار واضح إذن في سياسته تجاه منافسه، بل وبخ بقسوة مدير حملته الانتخابية وانفجر فيه علنا..
لديه دليل على أن الصين صنعت الفيروس ولا يريد الكشف عنه.. والصين تنكر.
ولدي مدير حملته أرقاما على تراجع نقاط الميل العام لانتخابه مرة أخرى.. في استطلاعات الرأي... وهو ينكر الواقع.
إنكار الواقع وخلق واقع بديل.. ولو بالوهم.. لن يقود ترامب إلى فترة حكم ثانية. الأمل الوحيد له أن يلقى القبض على كورونا متلبسا!