بقانون القوة المضادة!
في السياسة كما فى المرض، توجد دائما أجسام مضادة. شئنا أم أبينا، لا بد من وجود مقاومة لكل قوة مهاجمة. ولأن مجال العرض مفتوح، فإننا سنقصر رؤيتنا لحالة بارزة، شديدة الوضوح، وتعتبر كاشفة لما حولها، وفيها عبرة لكل قوة غاشمة!
نتحدث عن حالة قوة فريدة، بكل المقاييس، هي حالة السيد دونالد ترامب، ممثلا لبلاده الولايات المتحدة الامريكية التى تعتبر القوة الأعلى والأضخم في تاريخ العالم الحديث، بعد الحرب العالمية الثانية.
بدأ دونالد ترامب -ترامب تعنى الورقة الرابحة بالمناسبة- عملية تدشينه سياسيا بقوة المال وقوة تحطيم الثوابت. أهم وأخطر صنم حطمه ترامب كان صنم سياسيي العاصمة واشنطن، واستعان عليهم بجحافل وحناجر العشوائيين والشعبويين.. ومن أعمال القوة إنه جعل الإعلام الأمريكي عدوا له، وفعل ذلك دون أن يهتز له رمش..
اقرأ ايضا: الحياة بالخصم!
وعامل كبرى الصحف والمنصات الإعلامية معاملة فظة وقاسية. ولما استقر له الأمر وفاجأ الدنيا بفوزه على هيلارى كلينتون، طبق نفس معايير القوة مع العالم الخارجي، وفرض على قاعات حكم وعروش أسلوبه في التعامل والزيارة واللهجة.
بالنسبة له كانت المنطقة العربية أضعف حلقات المقاومة.. بل تصرف فيها تصرف صاحب البيت غالبا، وتعامل مع خزائن العرب بوصفها ضمن محتويات البنك المركزي الأمريكي!
ثلاث سنوات تقريبا، واصل فيها ترامب تطبيق قانون ترامب بالقوة الكاسحة.. على الجميع.. من أوروبا إلى الشرق الأوسط إلى فنزويلا إلى المكسيك.. إلى الصين بالطبع، عدوه اللدود الحالي!
اقرأ أيضا: تحويل الفاتورة على الصين
في نهاية السنة الثالثة، وبداية السنة الرابعة، وهي الأخيرة في ولايته الحالية، داهمت العالم قوة مضادة خفية.. قلبت ولا تزال تقلب موازين الحياة والموت، النجاح والفشل. الطمأنينة والجزع. ظهر فيروس حقير خطير لا نراه.. ولكنه يرانا.. ويحتل الرئات ويقصف الأعمار.
فيروس حول الكرة الأرضية إلى سجن كبير. كل دولة محبوسة خلف جدرانها. لا طيران. لا خروج. لا بشر. لا عمل. لا موضوع ولا مؤتمر صحفي إلا عن العدو الخفي المختفي الذي كشف عورة العالم الغربي وفضحه وأظهر عجزه تماما علميا وطبيا.. وسياسيا.. ومنطقتنا أيضا!
من أواخر ديسمبر 2019 وحتى الحادي والثلاثين من مايو 2020 (اليوم الأحد )، يواجه دونالد ترامب قوة مضادة لقوته الغاشمة. قوة أكثر غشامة. جائحة لم تبق ولم تذر على كل الأموال التى فرض علي العرب وغير العرب دفعها.. لتمويل مشروعاته لتحسين وتجديد شبكة الطرق والجسور في الولايات المتحدة، وتدوير مصانع السلاح، من طائرات وصواريخ وشبكات رادار، وطائرات مسيرة (الدرونز)..
اقرأ أيضا: سلوك القطيع.. الرهان على العقل المعطل!
والقضاء على طوابير البطالة.. بالفعل.. كان الاقتصاد الأمريكي المزدهر بفعل سياسات القوة الرأسمالية الفجة هو مفتاح الفوز شبه المؤكد لترامب بولاية ثانية.. كان من البديهيات تقريبا إنه الرئيس القادم لولاية ثانية رغم مكائد الديمقراطيين واشمئزاز الصفوة والنخب السياسية والفنية من تصرفاته وتناقضاته..
ثم ظهرت له قوة مضاد بحجم غشامته. بقدر ما ضربت وقتلت في أوروبا، بقدر ما كانت الحصيلة مفزعة بشريا وماديا.. الوفيات تجاوزت المائة ألف، والاصابات تجاوزت المليون والـ800 ألف.. لكن الخسائر الاقتصادية بالتريليونات.. حرفيا بالتريليونات.. فضلا عن تراجع صورة ومكانة أمريكا العلمية والطبية..
كورونا ضربت كبرياء ترامب، وأظهرته أكثر تواضعا.. واظهرته انسانا يرتبك ويتراجع ويهتز.. ومع تفشى الإصابات والوفيات، ومع عزل الناس في البيوت التى تحولت لسجون، تصبح الأعصاب منفلتة..
اقرأ أيضا: ملاحظات أولية على الإعلام والكورونا النفسية !
وهكذا ظهرت الآثار الاجتماعية والأمنية الجانبية.. للحالة المرضية المتردية.. في عنف العائلات داخل البيوت، وفي العنف العنصرى بالشوارع.. وقتل شرطى أبيض مواطنا أسود بوضع جزمته علي عنقه..
فاحترقت منيابوليس كبرى مدن ولاية مينيسوتا على ضفتي نهر المسيسيبي.. وامتد الحريق والغضب إلى لوس أنجلوس.. وحول البيت الأبيض ونزل الحرس الوطنى إلى الشوارع.. لمنع السلب والنهب وأعمال الحرق والتدمير..
كل قوة غاشمة لابد لها من قوة مضادة.. قانون لم يخطر على بال رجل ظن أن القوة تمضي في اتجاه واحد.. ولن تجد حائط صد يردها بنفس الفعالية والتأثير.
تستهلك كورونا الوقت.. بتداعياتها.. ولم يتبق لترامب إلا خمسة أشهر.. ستكون معجزة.. لو حقق انتصارا سياسيا ومكث بالبيت الأبيض. هل تموت كورونا ليعيش ترامب؟