رئيس التحرير
عصام كامل

تشويه الأب المصري فى إعلانات التسول

إعلان قاس لمستشفى علاج حروق؛ استدعت المؤسسة القائمة على إدارته وحملة التبرع له؛ نموذجا انتقائيا من وقائع العنف "الأسري تحديدا"، لتنسب على لسان ضحيته أسباب تشوه وجهها إلى أب وزوج عنيف فى مشهد استهدف اعتداء على أم وزوجة.

 

الإعلان دافعت عنه القائمة على المؤسسة بعد مهاجمة محتواه ورفضه من قبل مستنكرين لفكرة الترويج لمشاهد العنف فى حد ذاته، بينما نائبة برلمانية رأت فى طلبها نفس المحتوى مروجا للعنف ضد المرأة تحديدا، وأبدعت خبيرات علاقات أسرية فى توصيف ما اعتبرنه محرضا على إيذاء النساء، وزاد القومى للطفولة على ذلك ببيان مشابه، وكأن رجلا مصريا لم يجد من يدافع عنه فى حملة تشوية تستمر بمشهد العنف الافتراضي عبر إعلان مدفوع يستهدف جلب التبرعات.

 

صديقة محامية شكت لى تأثير بشاعة الوجوه المرعبة وسلوك الأب الافتراضي المجرم بمحتوى الإعلان، مؤكدة أن طفلتها ذات التسع سنوات أصابها الأذى، بينما ألم بالأم الخوف من رسالة الإعلان الذي يشوه صراحة الأب بنظر الصغير ويجعله مجرما محتملا؛ بالمخالفة للحقائق الكاملة، خاصة وأن نفس الطفلة المرعوبة من محتوى الإعلان يحتفظ والداها بعلاقات طيبة بعد انفصالهما ولا سبيل لأخلاق أحدهما وعائلته لتشويه نظرة الصغيرة إلى الآخر أو حرمانها منه.

 

اقرأ أيضا: مجلس قومى للأسرة المصرية

 

ويبدو أن واضعي فكرة الإعلان ومدافعات عن محتواه من داخل المؤسسة المنتجة له؛ بما فيه "طاسة الزيت المغلي" بالتأكيد، حولا دعوة التبرع لجمع المال الموجهة إلي ومتلقين آخرين رافضين لمضمونه، إلى مشاهد مظلومية بغرض التسول والإيذاء النفسي وكأن أموال التبرعات ستنفق على مصابي الحروق من الإناث فقط؛ هكذا أراه وأفسره أنا الآن.

 

كما رأيت فى انتقائية أصحابه وصاحباته دعوة لقسمة المجتمع بين رجال ونساء، وهى الفكرة التى تروج لها رسالات بعض القائمات على حملات ومنظمات ومجالس نسوية وصفحات إلكترونية ذكورية أيضا.

 

وأظن أن قائمات على إنتاج هذا المحتوى المشوه استمعن لتصريحات كاتبة "كبيرة بين نسوة" وصفت الأب بمنقوص التربية غير القادر على رعاية طفله؛ فقط لأنه أصبح مطلقا، أو راجعن تصريحا لنائبة نسوية ترى استحالة القبول بمبيت الطفل بمنزل أبيه ليلة حال وقوع الطلاق؛ فربما يغتصبه هذا الشرير المحتمل، وغيرها من عينات الآراء الشاذة التى تحولت مثيلاتها الآن إلى فكرة إعلان للتسول من جيوب متلقي رسالاتها.

 

اقرأ أيضا: تحرير عقود الزواج هل يصبح حلا؟

 

الإعلان الذي أتمنى ألا تكون ناشطة نسوية متطرفة فى الرأي قاصرة الرؤية وراء فكرة مضمونه، تجاهلت إدارة المؤسسة المنتجة له مثلا تقريرا دوليا صدر فى يناير 2019 عن مركز الجرائم التابع للأمم المتحدة يؤكد أن النساء المصريات يحتلن المرتبة الأولى عالميًا في إساءة معاملة أزواجهن وضربهن، بنسبة تكاد تصل إلى 28%.

 

وأكدت دراسة أخرى أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية النسبة نفسها، التي تُعد الأعلى عالميًا، بحسب التقرير، ووفقًا للبيانات التي تم الحصول عليها من محكمة الأسرة المصرية، أن 66٪ من الزوجات اللائي يسيئون معاملة أزواجهن ويضربهن يتقدمن بطلب الطلاق في محكمة الأسرة، بينما وجد 6 آلاف من الأزواج ضحايا العنف النسوي فى اللجوء إلى مقاضاة زوجاتهم حلا.

 

التقرير أكد أن الزوجات لا يستخدمن أيديهن في ضرب أزواجهن فحسب، بل أدوات حادة مثل المسامير والأحزمة والأسلحة وأدوات المطبخ والأحذية، في حين يستخدم بعضهن حبوبًا منومة من أجل ضرب وحرق أزواجهن أثناء نومهم، وكأن هذه الجرائم لا تنتج طفلا مشوها.

 

دعنا من هذا التقرير أو قضايا ومحاضر رسمية تؤكد العكس أيضا، وهى أمور لا تسعدنا بالتأكيد، وليكن اهتمامنا بمضمون رسالة تطمئن إليها عقول وقلوب متلقيها، وتراعى ميثاقا إعلاميا وضمانات "نظافة" رسالة إعلانية، فلا منكر لوجود عنف مجتمعي وأسري، لكن لا يصيد في الماء العكر ويتعيش على عورات المجتمع حد التسول إلا الفاشلون المنحازون من أحادي النظرة أصحاب الأفكار الداعية لتأجيج الصراع ولو دون قصد، وخطورة رسالاتهم أنها قد تتجمل فى زى العمل الخيري والحقوقي المزعوم.

 

اقرأ أيضا: ظاهرة الناشطة الخبيرة النفسية

 

ربما بقى لنا أن نتوقع تعليق صاحبات الآراء المتطرفة الانتقائية الانتقامية على محتوى إعلانات نجحت بالتأكيد فى الوصول برسالتها إلى جمهور يستحق، فربما تظهر من تعترض على تقويم أو علاج مدمن لأنه "ذكر" وتتهم أباه تحديدا بالتقصير فى تربيته وانحرافه، أو تظهر داعيات متمنيات أن يصيب "كورونا" الذكور دون الإناث، ويرد عليهن ذكور بدعوة صيامية بألا يخطئ الفيروس سبيله إليهن.. ولله فى خلقه شؤون.

 

الإعلانات الإيجابية كثيرة ورسائلها راقية ومؤثرة وجميعنا يدعمها ويقف ضد مشوهين لأهدافها، ورسائل الإعلانات الداعية ولو دون قصد لترسيخ قيم العنف والمزايدة على هموم المجتمع تدفعنا بالضرورة لمقاطعة أصحابها ومؤسساتهم ودعوة الناس للتأمل فى أغراضها، ناهيك عن تساؤلات مستمرة حول فلسفة القائمين عليها فى تحديد قواعد وأوجه الإنفاق الخاصة بها والتصرف بمواردها؛ وهى أموال المتبرعين المستهدفين بالإعلان بالتأكيد.

الجريدة الرسمية