ظاهرة الناشطة الخبيرة النفسية
خلال سنوات مضت؛ قدمت برامج فضائية ومواقع إخبارية؛ عددا من النساء بصفات لا علاقة لها بمستوى تعليمهن أو تخصصهن؛ للحديث بشكل فج ومنحاز عن قانون جديد للأحوال الشخصية؛ يبنى على رؤية تستهدف تجميل الطلاق وخراب البيوت في نظر الأجيال الشابة من الفتيات، وتسويق مشروع الزواج على أنه تجارة رابحة.
خطورة الرسالة التي تحملنها تلك النماذج وتروج لها؛ ليس في نهلهن لها من معين واحد؛ مع تطابق تعبيراتهن ومصطلحاتهن وطرق عرضهن لوجهات نظرهن، بل في كذب بعضهن على الرأي العام وإباحة معدين ومذيعين وإدارات قنوات الكذب على ألسنتهن؛ على جمهور تمارس ضده عملية التلاعب بالعقول، وتصديرهن للمواطنين على أنهن حاملات لصفات مهنية أو مؤهلات علمية وأكاديمية لا وجود لها، ناهيك عن انتهاكهن صفة "ناشطة" التي باتت مستباحة مشوهة مبتورة من أي عمل مجتمعي أو سياسي منسوخة في صورة صفحة على فيس بوك أو غيره.
ودون إسناد لكيان أو مراجعة أية جهة؛ تظهر الناشطة الخبيرة كاستشاري في العلاقات الأسرية تارة؛ وأخرى كاتبة صحفية؛ وثالثة سفيرة للنوايا الحسنة؛ ورابعة حاملة للدكتوراه الفخرية والماجيستير من قبل مركز أو جمعية تسوق لبيع الألقاب والدرجات العلمية والأكاديمية الوهمية دون رقيب أو مساءلة، أو حتى تدخل من المجلس الأعلى للجامعات أو وزارة التعليم العالي.
قمة السفه؛ أن تجد أشهر فنادق القاهرة تستضيف حفلا لتكريم كاتبة صحفية حاملة "دبلوم التجارة"؛ عن نشاطها في دعم المرأة والدفاع عن مكتسباتها الوهمية المعاصرة "المخالعة والحضانة المنفردة"؛ ومنحها لقب "سفيرة" أو إضافة حرف "الدال" الفخرية إلى اسمها ومؤهلها المخفي، وبصورة وصفحة على فيس بوك تتحول اللايكات إلى "تريد مارك" مبهرة لشباب فرق الإعداد ببرامج الفضائيات لاستضافتها والحديث في الشأن الأسري.
واحدة منهن؛ قدمت نفسها على أنها استشاري أسري "دولي" بعد خداعها بدورة مدفوعة لعدة أيام مع وجبات البريك والغذاء، أو عبر مواقع إلكترونية لا علاقة لها بجامعة؛ تمنحها صفة لا علاقة لها أيضا بمؤهلها الدراسي.
وأخرى؛ يفتضح أمر حقيقة مؤهلها الدراسي الأدنى فتحذف عن صفتها المشوهة لقب "صحفية" الذي اشترت سندا مزورا به من إحدى النقابات العمالية المستقلة المشبوهة عبر تجار "كارنيهات الصحافة"؛ لتسقط في فخ لقب "كاتبة" دون أدنى علاقة لها باتحاد الكتاب أو حروف الجر، وانحسار أفعالها في المضارع المضر باستقرار الأسرة والمجتمع، ومثلها فعلت ما هو أكثر سخرية؛ بظهورها مع مذيعة شهيرة موقوفة بصفة خبيرة علاقات أسرية؛ في حضرة أستاذة للطب النفسي في جامعة عين شمس، لتبهر الناشطة الجمهور في وجود الأستاذة الأكاديمية المختصة؛ بنصائحها للمرأة التي تفكر في الطلاق لأسباب نفسية، فيرد عليها أستاذ أزهري معروف "انتى فعلا ناشطة".
المفارقة أن حزبا يساريا كبيرا استضاف قبل عامين؛ حلقة نقاشية لمقترح بمشروع قانون جديد للأحوال الشخصية؛ صاغته ناشطات بسبع لجان نسوية بأحزاب يسارية، رعته مؤسسة صحفية ومجموعة منظمات؛ بتمويل أوروبي، انتهى إلى صيغة تجريم وحصار الرجل وجنسه حال زواجه، ظلت إحدى الناشطات النسويات المعروفات تسخر من معارضيه ومعارضاته؛ حتى أبكتها دعوة جدة محرومة من حفيدتها "تعيشي وتشوفي القانون بتاعك ده بيتطبق على ولادك وأحفادك يا بعيدة".
الغريب أن مفهوم الناشطة النسوية المعاصرة تأثرت به عضوات بأحزاب كبيرة منسوبة لشخصيات تاريخية؛ فبدأن في التمرد على عملهن السياسي والمجتمعي والتضحية به خدمة لمشروعهن الجديد الباحث عن "المكتسبات إياها" من علاقات الزواج والطلاق، فتقدمن برؤى متطورة تجيز للمطلقة إرث الزوج حيا بقسمة أمواله الخاصة والاستحواذ على بيته وأطفاله طيلة العمر؛ وفرض عقوبات ما أنزلها الله بنص حال تكرار زواجه بأخرى؛ كحبس المتزوج عرفيا دون شريكته باعتباره محرضا؛ وعقاب المطلق بصفته وحالته الاجتماعية بحرمانه من مبيت ابنه معه؛ باعتباره شخصا منقوص التربية ولد لأم أهملت تأهيلها المنظمات والمجالس النسوية؛ أو شاذا محتملا غير مؤتمن على الصغير.
بلا شك؛ فوراء كل ظاهرة أسبابها؛ وظاهرة الناشطة الخبيرة الصحفية وأفكارها النسوية اللولبية المعاصرة؛ وراءها حالة مجتمعية وأسرية خاصة تكشفها مصلحة الأحوال المدنية بالضرورة حال إشراك مديرها في مناقشاتهن، وحسنا فعلت نقابة الصحفيين؛ حينما شكلت مجموعة عمل من أعضاء الجمعية العمومية لحصر بيانات المنتحلات لصفة صحفية والمنتحل لصفة صحفي؛ وتقديمها للنائب العام؛ لإيقاف جرائم النصب والاحتيال على المواطنين التي تتم باستخدام صفة لمهنة محترمة تنتهك يوميا من هؤلاء وأولئك.
مخالفة أكبر باتت برامج فضائيات مستمرة في ارتكابها؛ وهى تصدير تلك النماذج المشوهة المضللة للرأي العام؛ على أنها صفوة نساء المجتمع اللاتي يمكن التحاور معهن حول مستقبل الأسرة المصرية، ربما أسهم في تشجيع تلك البرامج على إظهار وجهات نظرهن؛ انحراف وتطرف وانحياز شخصيات نسوية وبرلمانية بآرائهن في شأن مشروع قانون جديد للأحوال الشخصية والأسرة؛ ضد جنس الرجال، لتظهر من طرفهم حملات مضادة من عينة "خليها تعنس" وغيرها؛ بما تحمله من إهانة وتسليع لبناتنا وتشعل حربا جندرية في مجتمع مأزوم، وتشكل خطرا على مستقبل مجتمعنا أكبر من أفكار الناشطات صاحبات الصفات إياها.