أولاد الناس
حكى لي أحد معارف الحي ذات يوم متندرا، عن متعته في التنكيل بزميلته في العمل بحكم سلطته الوظيفية عليها وشعوره "الكاذب" ونشوته بأنه يفعل ذلك تنفيذا لتعليمات العمل بحذافيرها، علما بأنه يتحفظ في فعل هذا بل ويتجنبه تماما مع زميلة أخرى لأنها حسب قوله: "لسانها طويل".
زاد غضبي وأنا أسمعه يهزل ببكاء زميلته الطيبة (باعترافه)، محدثا إياي أنه يعلم أنها لن تقدر على الرد عليه تماما، فسألته عن ظروفها الأسرية فقال: "والدها متوفى وعندها إخوات صغار"، بينما يهاب زميلته الأخرى التي تسفه كلامه إذا حاول أن يضايقها أو يتحدث معها بنبرة غير لائقة، كون أسرتها تعمل في مراكز مرموقة، وبالتالي يخاف من أي ضرر قد يلحق به.
سألته: إذا قدر الله لك الوفاة وتركت فتاة وأسرة، وأصبح لزاما على تلك الفتاة النزول للعمل لرعاية إخوتها، ثم اصطدمت بمن هم يفعلون مثلما تفعل الآن، فيستغلون ضعفها واحتياجها للعمل، ويمارسون التسلط الوظيفي عليها، هل تخيلت شعور أن تفارق دنياك وتترك وحيدتك لغيرك ينكل بها لمجرد أن لا سند لها أو أب يزود عنها ويحميها.
صمت قليلا ثم رد بعبارة واحدة: "تصدق تخيلتها وقلبي اتوجع استغفر الله العظيم".
قليل من الرفق والتماس الأعذار في غير تهاون أو تراخٍ، بلا إفراط في حقوق العمل أو المعاملات بين الناس، أن نغلق الباب أمام ظهور مركبات نفسية غير سوية بين الحين والآخر، فيتلذذ كل مسئول في مكان ما بمتاعب مرؤسيه، بل وينتشي بإحساسه بالقسوة والغلظة في غير موضعها.
لنشتري لابنائنا من الآن كرامتهم بين الخلائق، فما نحب أن يعاملهم به الآخرون نعامل به الناس، فقد يتوفانا الله ونترك صغارا، بل قد يجعلنا على قيد الحياة قليلي الحيلة لا نحرك ساكنا وهم يهانون على عين حياتنا.. فالنعتبر.