قادة الدم
يحكي التاريخ، أنه في عام 1347 ميلادي، حركت الإمبراطورية المغولية جيشا ضخما تحت قيادة القائد الدموي الشهير "جاني بيج" بهدف احتلال "أوروبا" التي كانت في ذلك الوقت غارقة في بحور من الصراعات والمجاعات، أدت بها إلى حالة كارثية من الوهن والضعف.
وبالفعل، تقدم الجيش المغولي مدعوما برجال وعتاد ضخمة، إلى أن وصل إلى مشارف مدينة "كافا" في شبه جزيرة القرم بالبحر الأسود، إلا أنهم فوجئوا بمقاومة شرسة، جعلت "جاني بيج" يتخذ قرارا بمحاصرة المدينة، مراهنا على سقوطها بعد أيام، بفعل نقص المياه والطعام وكل متطلبات الحياة.
وبدأت الأيام تمر يوما بعد يوم، وشهرا بعد شهر، و "بيج" ينتظر سقوط "كافا" إلى أن مر عاما كاملاً، ووجد القائد المغولي نفسه فى حيرة، بعد أن بدأ الطاعون ينتشر بين جنوده، وبدأوا يتساقطون واحدا تلو الآخر، إلى أن أصبح لديه عدد هائل من الجثث المتحللة، وأدرك أن الهزيمة قادمة لا محالة في ظل صمود أهالي المدينة، فاتخذ قرارا بالانسحاب.
اقرأ أيضا: مصير مفاوضات "سد الكارثة"
إلا أن "القائد الدموي" عز عليه أن يترك الميدان دون أن يشبع رغبته "اللإنسانية" في القتل والدمار والإبادة، التى عرفت عن المغول، فقرر أن ينفذ أول "حرب بيولوجية" في التاريخ ضد أهالي "كافا".
وبالفعل أمر جنوده بجمع كل جثث زملائهم المتحللة، والتي أصبحت بمثابة قنابل مليئة بالطاعون، وقام بتحميلها على أسلحة المنجنيق الضخمة، وألقى بها في أماكن متفرقة من مدينة "كافا" حيث أصيب السكان بالهلع من الشكل المرعب للجثث، وبدأوا في الهروب من المدينة بعد أن أصابهم الطاعون، حيث كانت وجهتهم الأولى إلى مدينة "سيينا" الإيطالية، التي بدأوا منها نشر المرض إلى كافة دول أوربا، إلى أن حصد الطاعون ما يزيد على 50% من سكان القارة العجوز.
ومن أوربا بدأ الطاعون في الانتشار في كل دول العالم، إلى أن وصل إلى "قارة آسيا" وحصد أرواح ما يزيد على 50% من سكانها، ووصل إلى مصر ودول شمال أفريقيا وحصد ما يقرب من 60% من سكانها، ولم ينجو من الوباء سوي سكان الأمريكيتين، حيث وقف "المحيط الأطلنطي" كمانع طبيعي في الوصول إليهم.
اقرأ أيضا: كوارث الأمريكان في العراق
وعلى الرغم من أن "الإمبراطورية المغولية" خلفت في تاريخ حروبها الدموية ما يقرب من 40 مليون قتيل، إلا أن الطاعون الذي نشره "بيج" حصد أرواح أضعاف أضعاف هذا الرقم بكثير، لدرجة أن بعض المراجع قدرت عدد الضحايا في ذلك الوقت، بما تزيد على الـ 200 مليون قتيل.
حيث بدت شوارع أوروبا مكتظة بالجثث المتعفنة، بعد أن عجزت الحكومات عن دفنها، مما دفع "البابا كليمنت السادس" الذي كان معروفا في ذلك الوقت بجديته وامتلاكه لثروة ضخمة، وتحكمه في كثير من الجيوش، إلى شراء حقول شاسعة لدفن الجثث، وعندما ضاق به الحال ولم يجد مكانا للدفن، اضطر لإلقاء الجثث في "نهر رون" الذي تحول إلى "قاتل متحرك" حمل معه الموت إلى كل مكان مر به في أوروبا.
ولم تنحسر كارثة الطاعون إلا مع اكتشاف المضادات الحيوية في أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي، ورغم ذلك لا يزال الفيروس متوطنا في دول مثل "بيرو، والكونغو الديمقراطية، ومدغشقر" ويحصد أرواح المئات سنويا.
اقرأ أيضا: الوطن الأزرق
للأسف أن قصة القائد المغولي الدموي الذي ضحى بالمئات من جنوده وتركهم يتساقطون بفعل الطاعون، في مقابل حلم توسيع رقعة امبراطوريته، تؤكد ما ذهب اليه البعض بأن "كورونا" اللعين الذي قلب الكرة الأرضية رأسا على عقب فيروس "مخلق" وتم تركيبة بايدي "وحوش" لا يمتلكون أدنى درجات الآدمية، ضمن "حرب بيولوجية" مخططة، تهدف للإضرار بقوى بعينها، وسيطرة قوي أخرى على مقدرات وثروات العالم، حتى ولو كان المقابل التضحية ببضعة الآلاف من أبناء شعوبهم.
الواقع يؤكد أنه ما زال يعيش على الأرض، العشرات من "قادة الدم" على ذات شاكلة "جاني بيج" من الممكن أن يقدموا على تكرار ذات "سيناريو الابادة الجماعية" ويزيد، مع اختلاف الأحداث، دون النظر إلى الخسائر البشرية، أو حجم الخراب الذي سيحدث، أو على أي شكل سيكون العالم، المهم أن يتحقق لهم ما يريدون من أرباح ومكاسب، تعلي وتزيد من قوة وثروات ممالكهم.
وهم أنفسهم ذات "قادة الدم" الذين يتزعمون" تاجرة الموت" في العالم، ويخططون لفتن، ويشعلون حروب، من أجل زيادة مبيعاتهم من "السلاح" دون النظر إلى حجم ما ستخلفه من قتل ودمار وخراب، وتغيير لمصير دول وشعوب، المهم أن يتحقق ما يطمحون إليه أيضا من سيطرة ومكاسب.. وكفى.