الأقنعة في عصر الإنسان الافتراضي
نصف ساعة أقضيها يوميا بين ساحات وسائل التواصل الاجتماعي، أقلب الصفحات بين أسماء مستعارة وصور كاذبة ومزيج من الأضاليل والإفك وقليل من الصدق، وبحر هادر من رومانسية زائفة وخيالات نرجسية توحى أن الكل مظلوم.
نعم لم أقرأ في يوم من الأيام عن شخصية تكتب اعترافا بأنها كاذبة أو ظالمة، الكل على صفحات الإعلام الاجتماعى مظلوم، مطحون، مغبون لا وجود هنا للظالمين المكتوب عنهم في كل الصفحات والمساحات، ولن يكون مستساغا أن تطالب الناس بترك أسباب العصر وقوته وأدوات عمله..
ولكن تساؤلا منطقيا يطرح نفسه على مائدة الحوار الجاد: كيف نوائم بين الإمساك بأدوات العصر وحماية هويتنا من هؤلاء المتسللين عمدا سواء كانوا كتائب شيطانية أو أدوات تجسس أو مؤسسات نشر الوهم والدونية والقيم الهابطة والتسرب إلى وعى أبنائنا وزرع الفتن والاستهانة والإحباط وعدم الثقة في الذات والوطن.
اقرأ أيضا: تجميد مبادرة البنك المركزى
تصيبنى حالة من الاشمئزاز كلما قرأت تعليقا صيغ بطريقة جهنمية للنيل من بلادى ومن قدراتها ومن إمكانياتها ومن تاريخها ومن قوتها الكامنة، وأشتم رائحة تيار وحيد يعمل ليل نهار على نفس الوتيرة، يصيغ رسائله بسخرية اشتهر بها شعبنا العظيم، فيجد لنفسه صدى في النفوس، تشاركه قوى أخرى أجنبية أو عدائية، نتناقل تلك الرسائل بلا وعى بسبب بساطتها وسخريتها وتعاطيها مع ما يمكن أن نسميه بالعامية "الإفيه" أو لزوم "القافية"!!
في عصر الاتصال الجماهيري أو وسائل الاتصال الجماهيرية، تعارفنا على قيم للنشر والعرض، لا يمكن لصاحب الرسالة أن يقدم رسالته دون المرور عليها وتدارسها وفهمها واستيعابها، وهذه القيم تحرسها مؤسسات رسمية وأخرى أهلية، نقابات، وكيانات، وقوانين، كل هذه القيم تلاشت في عصر الجماهير أو عصر الإنسان الافتراضي، وأصبح القلم بلا وازع أخلاقى أو قيمي، وأصبحت الصورة بلا ضابط أو رابط، وأصبحت الوسيلة متاحة بلا ضوابط.
اقرأ أيضا: الصفقة الحرام بفاكسيرا
لا يمكن لعاقل المطالبة بالرقابة أو وقف عجلة الزمان أو العودة إلى الوراء أو حتى التضييق، ولكن لكل عاقل أن يطالب بالوعى، فحجم التداول المعلوماتى المكذوب أكبر من أن تجد وسيلة للرد عليه، مئات الملايين من الرسائل التي تصيغها تيارات وأجهزة مخابرات وحمقى لا يمكن لحكيم أن يتصور إمكانية الرد عليها وكشف زيفها، التسريب يجرى عبر نكتة أو حكمة أو صنع معلومة بطريقة جهنمية تتضمن قليلا من المعلومات وكثيرا من الكذب والتضليل.
الوصول إلى الناس منذ الصغر..في المدارس والحضانات والجامعات وكافة التجمعات وصنع حالة من الوعى بطبيعة عصر الجمهرة وما يمكن أن يزرعه في نفوس الأجيال، وما يمكن أن يخلقه من حالة غربة وفقد الثقة في الأسرة والحي والمحافظة والوطن، تفكيك الرسالة أية رسالة والتعامل معها وفق معايير كان يتدارسها الإعلامي والصحفى في كليته ومؤسسته أصبح لزاما علينا التعامل مع المواطن باعتباره صاحب وسيلة إعلامية وصاحب قلم وصاحب رأي وموقف.
اقرأ أيضا: اقتلوا رجال الأعمال أو انفوهم
ترك الأمور على هذا النحو المهمل بعد أن أصبح في كل دول العالم مديرا للأمن القومى السيبرانى كارثة، ولا يمكن للدولة وحدها القيام بمواجهة الوعى الكاذب، فالجامعات والإعلام والأحزاب وكافة مؤسسات المجتمع المدنى لابد وأن يكون دورها مدروسا وعليما وليس اجتهاديا أو مصحوبا بالنوايا الحسنة.. الأمر علمي بالدرجة الأولى والمثال الذي نعيشه ونحيا تفاصيله يعد نموذجا صارخا لتسلل قوى الشيطان إلى وجدان أبنائنا.
رسائل السخرية من الدور الذي لعبته الحكومة في مواجهة كورونا ليس مقصودا منه مدبولى أو وزراؤه، فمهما اختلفنا حول تقييم الأداء الحكومى فإن العقلاء والمنصفين يرون أن هناك قدرات مصرية ظهرت بقوة في هذه الأزمة، صحيح انفردت الحكومة وحدها بالقرار دون مشاركة شعبية ضرورية من خلال مؤسسات المجتمع المدنى، ولكن لا ينكر أحد أن هناك خطة نافذة في مواجهة الأزمة، والسخرية منها أو محاولة النيل من قدرات مصر هو تسريب يستهدف إشاعة الهزيمة في نفوس الناس وهذا خطر كبير.
اقرأ أيضا: فرسان المعركة على أهبة الاستعداد
أزمة كورونا مجرد مثال والأمثلة اليومية أكبر من أن نحصيها، والوصول إلى وجدان الجماهير بهذا الشكل المكثف واليومى أطاح بإنسانية قرية مصرية، وقدمها في نموذج متوحش أمام العالم، عندما تجمهروا ضد الإنسانية، ورفض دفن طبيبة في مدافن القرية رغم أنها مملوكة لزوجها..من الممكن أن ترى الكثير من هذا التغير المريب في الشخصية المصرية، وسيتكرر ذلك وبصور أقسى إن لم نتنبه لخطر عصر الإنسان الافتراضي.