رئيس التحرير
عصام كامل

بيان مسبق بالنعي.. المصريون ينتحرون!

فى الوقت الذى تتهم فيه أمريكا الصين بتصنيع الفيروس الفتاك ، وترد عليها الصين بأنها هى من صنع الفيروس القاتل ، يتبادل المصريون بأريحية ومبادرة منهم منقطعة النظير نفثات الفيروس وموجاته ، في الحفلات وفى الجنازات وفى السرادقات ، وفي الزنقات والطرقات.

 

يمكن اعتبار هذا المقال هو النعى المسبق، أرجو يا الله أن أكون مخطئا وأن تخيب ظنى ، لما ستؤول إليه الأحوال لاحقا، بسبب مما نراه فى سلوكيات عامة المصريين تجاه الخطر الخفى المحيط بنا في كل وقت وفى كل مكان.

 

اقرأ أيضا: سلوك القطيع.. الرهان على العقل المعطل!

 

نحن ننتحر. وفينا من ينحرنا. نحن نستهتر بالخطر المحدق. نتصرف كأن البلاد فى دعة. إجازة مدفوعة الأجر ورحرحة. أكلة ومرعة وقلة صنعة. خروج همجى جماعى للشوارع. الأنفاس في الأنفاس والفيروس يعربد في الحلوق والرئات ويسكن الشعب ويتمدد نحو الأكباد ويطيح بعضلة القلب. لا يخاف المصريون هذا كله! مما سيخافون إذن؟

 

النذر واضحة ومخيفة. العداد صاعد. أمس ١٨٨ إصابة. ١٨ وفاة. الناس في الشوارع. ناس تتزوج. ناس تخطب ناس تحضر المناسبات السعيدة والتعيسة علي الضيق. مفهوم الحضور المحدود فى افراحنا وأتراحنا هو ما لا يقل عن مائة أو خمسين شخصا. يتلامسون ويهنئون ويتبادلون قبلات الخدود.. وفجأة.. يسقط خمسة عشر مصابا. فجأة الحالات ايجابية. فجاة الناس على التنفس الصناعى. فجأة لوحة سوداء تتصدر الصفحات. البقاء لله.. توفى فلان إلى رحمة الله. لماذا نفعل بأنفسنا ما تمنعنا عنه الحكومة؟

 

اقرأ أيضا: كورونا ينقذ الدولة الوطنية !

 

من تناقضات الصورة أن الشعب متمرد على الحكومة التى تشفق عليه وتوفر له بشق الأنفس أطواق النجاة من الموت. الشعب يلهو والحكومة صارت مثل الأب الذى يرعى ويخشى ويحذر.. ولا مجيب.

 

ما معنى هذا الاستهتار حتى من أثرياء القوم وأوسطهم نعمة ممن يتسللون إلى الشواطئ والمحافظات الساحلية رغم توسلات الدولة؟

 

المستهترون يقتلون الملتزمين. نحن ملتزمون في بيوتنا، وشخصيا لم أر الشارع إلا مرتين قبيل الحظر بساعة أونصف.. وشخصيا اختنقت.. وأعرف أن هذا ليس شعورى وحدى، بل هو حالة مئات الآلاف من الملتزمين.

 

اقرأ أيضا: شيء من الكرامة.. أخيرا

 

يضربنا الاكتئاب خوفا من ضربة الفيروس المجهول المتخفى. يضربنا الاكتئاب من طول الانتظار. يضربنا الألم وتأخذنا الخنقة كل مأخذ ونحن لا نرى نورا فى نهاية النفق المعتم.  يضربنا الاكتئاب وقد تضاعفت اعمارنا وتراجعت صحتنا.. وتخلخلت عظامنا.  يضربنا الوهم ضربات بلا هوادة. السعلة نحسبها كورونا. الحرارة البسيطة قم فاطلب ١٠٥ فورا. البرد..    كورونا كورونا..

رعب فى رعب.

أما أكثر اللحظات حزنا فهى البيان اليومى لوزيرة الصحة. كنا فرحين بالعداد يدور في الثلاثين والأربعين.. ثم فجأة قفز إلى الستين فالثمانين ثم عبر المائة..  وها هو يدخل بدأب، وبفضل همة المصريين، علي المائتى إصابة.

 

تجاوزنا إلى ألفى إصابة في عشرة أيام تقريبا.. حافظنا على أقل من الألف لمدة أكثر من شهر.. القطيع اللاهى العابث حطم السور، وهج.. ولن يعود إلا بالندم.. جثة إثر جثة.. جثة فوق جثة وإردم. إردم. إردم.

كل شم ردم وأنتم.. مستهترون.. قاتلون بعلمكم وجهلكم..

تذكروا هذه الكلمات فهى النعى المسبق.. اللهم خيب ظنى.. اللهم خيب ظنى.

الجريدة الرسمية