الشهيد المنسى.. وغياب الوعى لصناع الفن!
يروى أن هارون الرشيد عند موته، سأله أحد العلماء: ماذا تريد من الحياة الآن؟
الرشيد: شربة ماء
قال العالم: ماذا لو طلبت نصف ملكك مقابل شربة الماء؟
الرشيد: أعطيته لك
العالم: وماذا لوطلبت منك النصف الآخر مقابل إخراجها؟
الرشيد: أعطيته لك
العالم: اعلمت أن ملكك لا يساوى شربة ماء يا هارون؟!
بكى هارون الرشيد الذى دانت الدنيا تحت قدمه، وعلم أن ملكه لا يساوى شيئا!.
تذكرت هذه القصة عندما قررت الكتابة عن الشهيد الفذ أحمد المنسي والمسلسل الذى سيعرض فى شهر رمضان بإذن الله، والحقيقة أشعر أحيانا أننا نبيع كلامًا، عن حب الوطن والفداء، ولكن عندما نكون في موضع الاختبار لا نفعل شيئا يوازى المعانى النبيلة التى نتشدق بها.
كان الشيخ الشعراوى رحمه الله يقول كل الناس شرفاء ونبلاء ولكن الحقيقة، أن الشريف الحق من يقع فى اختبار حقيقى وينجو منه، عندما يكون فى مأزق ويحتاج المال ويرفض الرشوة، إذن الشريف الحق من يقع فى مأزق الاختبار وينجح فيه!.
اقرأ أيضا: ساعتنا الأخيرة.. نبوءة مقتل مليون مواطن بخطأ بيولوجى!
وبالتالى كلنا نتحدث عن الوطن والانتماء والدفاع عن تراب مصر، ولكن لم يفقد أحد منا يده أو ساقه أو عينيه أو جزءًا من رأسه، من دفع حياته دفاعا عن تراب وطنه؟ نعم الشهيد فى أعلى مرتبة فى الجنة مع الصديقين والأنبياء، ولكن أسرته ماذا عنها؟ إذا كان الأب والأم موجودين فمن شعر بما يشعران من حرقة قلب على أكبادهما؟
قال سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام فيما معناه، إياكم وذل القبر! سأله الصحابة: ماهو ذل القبر؟ قال فيما معناه: موت الأبناء وترى دفنهم تحت التراب! من منا شعر بحزن الأب؟ ثم زوجته وأبنائه، الزوجة التى فقدت زوجها سندها رب العائلة، كيف تعيش ومن ارتضت أن يقاسمها حياتها تركها شابة فى مقتبل الحياة؟ كيف للأبناء العيش بدون من كانوا يتعلقون فيه عندما يعود للبيت؟ بل هناك من ترك طفلا عمره أيام فقط، فلن يعرف والده إلا من خلال صورة وعليها شريط أسود!.
اقرأ أيضا: حرب المصريين للكورونا.. والصندوق الأسود فى الصين!
طالما لم نجرب الألم والحزن على فلذات أكبادنا، فالأمر سهل بالكلام، وقبل أن أكتب عن الشهيد المنسى، لحق به الشهيد محمد الحوفي فى العملية الاستباقية الناجحة فى الأميرية، استشهد محمد الحوفي فبكى الجميع، بكت مصر فى ليلة لم نعرف فيها النوم، وسبحان الله وكأن الشهادة تختار الأنبل والأجمل والأشرف ممن فينا.
فالشهيد الحوفي من أكفاء قوات مكافحة الإرهاب، وسبق إصابته فى معركة مع أعداء الحياة، وعندما شاهدت صورته، سبحان الله وجهه الملائكى والطيبة والرضا فى كل ملامح وجهه، الثمن غالٍ وغالٍ جدا، تدفعه مصر من أجل تطهيرها من جماعات التكفير أعداء الحياة، وليس عيبا أن أقول إن دموعى تنهمر ولا أستطيع أن أوقفها مع صورة كل شهيد، من فلذات كبد مصر.
سألت نفسى كم تساوى حياة إنسان؟ إذا كان هارون الرشيد يمكنه التنازل عن ملكه مقابل شربة ماء فما بالك بحياة الإنسان؟
سؤال الإجابة عليه مريرة.. خاصة عندما قرأت منشورا لأحد الأصدقاء يقول فيه إن أمير كرارة تقاضى أحد عشر مليونا من الجنيهات مقابل قيامه بدور الشهيد أحمد المنسي، فكم حصل المنسي مقابل حياته؟ بالطبع لا أقارن ولا ألوم أحدًا، أحمد المنسي بطل وشهيد باع الدنيا من أجل تراب وطنه، ولكن لا يمثل ولا يقدم الفنانون من منتجين وممثلين ومخرجين.. إلخ، نموذجا يعبرون فيه عن حبهم لوطنهم ويضحون فقط بالمال بالرغم أن المال، أى مال، فى الدنيا لا يساوى شيئا أمام حياة الإنسان.
اقرأ أيضا: نداء السيسى.. وصمت رجال الأعمال!
لماذا لا يقدم منتج المسلسل وأبطاله مثلا للمجتمع بأنهم أيضا يضحون من أجل الوطن وأن تضحيتهم ليس مجرد كلام؟ الشهداء لا ينتظرون منا شيئا، فهم الفائزون فى أعلى درجات الجنة، ولو فكروا أو تمسكوا ما أصبحوا شهداء بطيب خاطر.
مسلسل عن أحد شهداء الوطن لماذا لا نقدم معه رسالة للمجتمع بأن الفن بجوار المقاتل، إذا كان المقاتل دفع حياته ثمنا للدفاع عنى، أقل مقابل هو عمل يخلد البطل ولا نتقاضى عنه مليما، مع العلم أن مثل هذا المسلسل سيربح الكثير داخل مصر وخارجها، ولكن انعدام الوعى، وانعدام الإيمان برسالة نبيلة للمجتمع.
لا لوم على أحد فالتاجر الذى لا يبحث إلا عن زيادة رصيده أو الفنان أو.. إلخ لا لوم عليهم جميعا، وإلا أين هم من وباء كورونا؟
هنيئا يا مصر بدماء أبنائك الطاهرة، هنيئا يا أبناء مصر بالشهادة، وقلبى مع كل قلب كل أب وأم وكل زوجة وكل أبناء الشهداء، قلبى معكم فأنتم تتحملون ثمن الدفاع عن شرف تراب مصر، قلبى معكم يا أنبل من أنجبت مصر.
وتحيا مصر بدماء المنسي والحوفي وأبطال معركة الإرهاب، وتحيا مصر دائما بدماء وعرق بسطاء مصر، وتحيا مصر.. تحيا مصر.