أعيدوا المصريين ثم حاسبوا المسيئين
لم تمنع مواجهة جائحة فيروس كورونا، تفشي ظواهر موازية، قليل منها إيجابي وكثير منها سلبي، فمن الإيجابيات توجه بعض الفئات لا سيما الطلبة للتطوع والمساعدة ومؤازرة الجيش الأبيض الواقف في خط المواجهة الأول، وتبرع بعض المشاهير من مجالات عدة لإعاشة المتضررين والفقراء..
لكن بالمقابل انفجرت أحقاد نفوس مريضة، وزادت التفاهات مع تقييد الحركة وفرض الحظر، وباتت منصات "السوشيال ميديا" متنفس للجميع من المنازل.
هناك من سعى لإفادة وتسلية المتابعين ببث أعماله سواء جديدة أو قديمة، ومن تواصل بمعلومات ونصائح، إلى جانب من ينشر يومياته ولحظاته في الحجر بلا داع حتى يظل في الصورة.
لكن الخطر الأكبر جاء ممن بث أحقاده وكراهيته، وسعى لإثارة النفوس على الآخرين، واستعداء الشعوب على بعضها، سواء انزلق لذلك بحسن نية، أو كان مدفوعا من تيارات وتنظيمات أو دول معادية، فالجميع يستوي بالنهاية ما دام تسبب في فتنة، وللأسف كانت مصر والمصريين هدفا لكثير مما يجري خلال الأزمة الراهنة.
اقرأ ايضا: المؤامرة تتوسع والبشر ضحية
أشرت في المقال الماضي، إلى تصريح الفنانة الكويتية حياة الفهد، وما خلفه من أزمة، ومع نفيها أنها تقصد العمالة المصرية، إلا أن ردود الفعل الغاضبة من مصر والرد عليها من الكويت عبر التواصل الاجتماعي، حول الأمر إلى حرب، وفي محاولة لاحتواء الغضب الشعبي في الكويت على المصريين عموما، أصدر مجموعة من المسرحيين والأدباء والكتاب بيانا لرفض ما يحدث والتأكيد على عمق العلاقات بين البلدين ومحاولة قطع الطريق على الفتنة.
كما استضاف تلفزيون الكويت، الفنان الكبير يوسف شعبان، وابنته زينب من زوجته الكويتية، لتهدئة النفوس، ونظرا لاستمتاع الجمهور بحديث الفنان يوسف شعبان وابنته التي تطل إعلاميا للمرة الأولى، تصدر اسمه "تويتر" في الكويت.
اقرأ ايضا: "كورونا" والحقد الدفين
الفنان يوسف شعبان المتزوج من كويتية منذ 30 عاما، ندد بالأصوات النشاز التي تسيء للعلاقة بين البلدين، مؤكدا ان المسيئين سواء مصريين أو كويتيين لا يمثلون إلا أنفسهم ويعكسون أحقادا دفينة، ويرتبطون بكيانات وتنظيمات معروف أهدافها.
محاولات ومساعي التهدئة لم تجد نفعا، في ظل رفض مصر استقبال العمالة التي ترغب بالعودة من الكويت ودول خليجية أخرى، وهذا يعيدنا إلى ما ذكرته الأسبوع الماضي عن سوء تعامل حكومتنا مع الأزمة، وأنها وراء كثير مما يحدث، وبعد كل خطأ جسيم ترتكبه يتدخل الرئيس السيسي شخصيا للحل.
لا ينكر أحد أن كثير من العمالة السائبة ومخالفي الإقامة في الكويت مصريين، وهذا سبب الغضب الكبير عليهم، وحتى تخفف الحكومة الضغط على الخدمات خلال الأزمة، اعلنت عن مهلة شهر واحد لمغادرة المخالفين، مع اسقاط ما عليهم من غرامات، فتجمع نحو ستة آلاف مصري مخالف للاستفادة من المهلة، لكن اعتذرت حكومتنا عن استقبالهم حاليا، ما زاد من الغضب على المصريين بشكل عام.
اقرأ ايضا: لا تسامح مع المسيئين لمصر!
وهنا تجددت المطالبات في الكويت، لتعديل التركيبة السكانية، وندد كثير من نواب البرلمان والكتاب وسواهم بموقف الحكومة المصرية، ودعوا إلى تعديل التركيبة السكانية رافضين أن تشكل عمالة ثلاث دول فقط، نصف سكان البلد، وما يشكله وجودها من خطر، يقصدون طبعا مصر والهند وبنغلاديش.
حركت أزمة الفيروس، ورفض حكومتنا استقبال الراغبين في العودة، المياه الراكدة في ملف التركيبة السكانية بالكويت والعمالة السائبة، وكان أن أوقفت أحد الضباط بالداخلية بتهمة الاتجار بالبشر، ومعه ستة مصريين من معاونيه، تخصصوا في جلب عمالة مصرية مقابل مبالغ باهظة دون توفير عمل لها وتركها تدبر أمر معيشتها في الشوارع.
كما أدى رفض حكومتنا استقبال العمالة المخالفة بالكويت، إلى إثارة هؤلاء الشغب في الأماكن المخصصة لتجمعهم قبيل السفر، فاضطرت الكويت لاستدعاء القنصل المصري للتفاهم معهم، والأمر نفسه مع شغب أثاره الهنود بعد رفض بلدهم استقبالهم مثل مصر تماما.
الرفض الحكومي المصري والسلوك الشعبي، جعل الكويت تنسق مع دول الخليج الأخرى، لاتخاذ اجراءات موحدة تجاه "دول تماطل في إجلاء رعاياها"، وقال وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد الناصر "نجري اتصالات مع دول الجاليات المخالفة، ولدينا تحرك خليجي مشترك في هذا المجال".
تزامن تصريح وزير خارجية الكويت، مع إعلان الإمارات نيتها إيقاف العمل بالاتفاقيات المشتركة مع الدول غير المتجاوبة لاستقبال رعاياها راهنا، وذكرت وزارة الموارد البشرية والتوطين في الإمارات، أن الوزارة تدرس خيارات تعيد بموجبها شكل العلاقة مع الدول المرسلة للعمالة، التي ترفض استقبال رعاياها العاملين في القطاع الخاص بالدولة، ومن يرغبون بالعودة إلى بلدانهم سواء بانتهاء علاقة العمل أو الخروج في إجازة مبكرة، فضلاً عن وضع قيود صارمة على استقدام العمالة من هذه الدول.
اقرأ ايضا: أين نحن من «معارك» مهاتير؟
أعقب إعلان الإمارات عن تقييد عمالة الدول غير المتجاوبة، نشر حساب إماراتي معروف تغريدة عن توجه رسمي لإنهاء خدمات عشرات آلاف المصريين، والاستعانة بعمالة أخرى، ووجدت التغريدة تفاعلا كبيرا.
بعيدا عن الاجراءات الحكومية فإن نظرة على حال المصريين العالقين، تحتم الإسراع لإعادتهم بأي وسيلة، خصوصا أن بعض العالقين في البحرين مثلا، أكد في مقاطع مصورة أن أموالهم شارفت على النفاد.
وهناك مأساة بعض المصريين العالقين في الصحراء بالسعودية، وهم ينشرون فيديوهات لسوء أحوالهم ويتمنون الموت في بلدهم، مناشدين الحكومة إعادتهم إلى مصر بعد تقطع السبل بهم ونفاد أموالهم، مستنكرين المماطلة في استقبالهم رغم وجود عبارات في الميناء.
ان كان بعض المصريين تجاوز في نشر مقاطع فيديو تسيئ للبلد، أو تعمد التطاول عليها وانساق خلف تنظيمات وجماعات معروفة، فعلى الحكومة الإسراع بإعادتهم واستقبالهم ثم تحاسبهم على أخطائهم كما تشاء، لكن لا يجوز أن تتركهم بهذا الشكل.