الدفن بالقوة.. تلك القرية الظالمة
كلنا فى حالة نفسية سيئة. نعيش فى انتظار بيانات الاصابات والوفيات اليومية، تصدر عن وزارة الصحة المصرية، وكأنها بيانات عسكرية. ذلك أن الوطن في خطر، ضمن أوطان البشرية كلها. طوبى لمن ماتوا قبل ان يروا بأعينهم ما يفعله مصريون بموتاهم شهداء فيروس كورونا.
قصة محاولة دفن الطبيبة سونيا عبد العظيم، ٦٤ سنة، مستفزة وقاسية ومرعبة.. منذ الساعات الأولى لصباح أمس وقلوبنا تتصدع لمشهد بربري همجى بقرية شبرا البهو فريك، مركز اجا، دقهلية، يمنع سيارة الاسعاف من التقدم نحو مقابر القرية وسط زجر ونهر ودفع وكلمات غريبة : “ارجع ورا. ارجع ورا. عايزين تموتونا. ارجع.. كورونا.. كورونا”
يأمرون سائق الإسعاف المحمل بجثمان الطبيبة شهيدة الكورونا من دخول القرية لتوارى الثرى. من قبل ذهبت الإسعاف إلى قرية ميت العامل المجاورة لشبرا البهو.. مسقط رأس المتوفاة.. رفض أهل ميت العامل دخولها.. عادت الإسعاف بالمتوفاة إلى قرية زوجها البهو.. لدفنها بمقابر الزوج دكتور محمد الهنداوي صاحب الخير العميم علي أهل قريته.. إعترضوها.. وردوها.. بحجة إن القرية ستوضع تحت الحجر الصحى وبحجة إن ميت العامل رفضت دخول الإسعاف!
اقرأ ايضا: ملاحظات أولية على الإعلام والكورونا النفسية !
إستخدم المغرضون والجهلاء والمحرضون ومكبرات الصوت لتحذير الناس وإثارة رعبهم وإخراجهم للإحتشاد ومنع قوات الأمن من تمكين أهل المتوفاة من دفن لحمهم .. وكانوا طبيا كفنوها بعد التغسيل، ووضعوها في الفورمالين بنسبة محددة، ولفوها فى راقات، ثم في كيس.
هل تتخيلون وقع هذا كله على أهلها..
خرجت القرية تمنع دفن ابنة القرية التى أصيبت بالكورونا.. فنقلت إلى العزل بالاسماعيلية.. وهناك فشلت جهود انقاذها لتاريخ طويل مع الازمات فى التنفس.. ماتت وكفنت بالفورمالين.. وبدلا من تكريمها أهانوها ميتة. بدلا من الهتاف لها أن لا إله الإ الله.. كانت المفاوضات لخمس ساعات بين الأمن وبين الغوغاء.. لاقناعهم بالدفن.. دون جدوى ثم كانت القنابل المسيلة للدموع تنفجر حول الإسعاف لتفريق الغوغاء وتمكين الأطقم من دفن الطبيبة.
على وقع القنابل ورائحة الغاز.. تم دفن الجثمان.. يالها من نهاية! نصلي الفجر حاضر.. نصلي الظهر حاضر والعصر والعشاء والنوافل وساعة المواجهة مع إختبارحقيقي لهذه الطقوس والشعائر.. تجد أن هذا كله كان شكليا.. مظهريا.. مسرحيا.. متدينون بالطبيعة والسليقة؟ فأين أين دينكم؟ أهذا ما أمر به الله ورسوله؟ أهذا إكرام الميت بمواراته الثرى؟ كيف تحبسون ميتا عن الدفن خوف العدوى؟
كشفنا الفيروس.. فضح البشرية.. ما التدين الإ قشرة هشة.. ربما أصلب قليلا من قشرة البيضة. وبسبب من التنمر للمصابين والمتعافين وحتى الموتى.. صرنا كلنا رهائن مزاج أسود.. واندلعت في البيوت حروب يومية صغيرة بسبب الخوف وبسبب الاستهتار وبسبب رعونة الصغار.
اقرأ ايضا: مقابر فيس بوك.. كيف تعرف أنك مت!
وبسبب ما جرى من قبل لرفض أبناء استلام جثمان أبيهم خوف العدوى من الفيروس الذي أودى بحياته.. ثم واقعة قرية البهو فريك المميتة المروعة هذه.. تتردد الأن دعوات بإنشاء مقابر لشهداء الكورونا فى مكان ناء.. اطباء نادوا بذلك..
وأشعر برفض قوى لهذه الفكرة الحمقاء.. فمادام الجثمان لا ينقل العدوى.. فليدفن الشهيد في مقابر عائلته.. ولا تفتح المقبرة الإ بعد ٤٠ يوما كما أوصى اطباء. الفيروس يحتاج جسد الحى ليتحول إلى كائن حي قاتل.. جسد المتوفي جثمان بلا حياة الفيروس أيضا كتلة دهنية بروتينية.. بلا حياة.. يريد حياة ليلتهما فيحصل هو على حياة. هو مصاص أرواح. مثله مثل مصاص الدماء.
ادفنوهم بالطرق الشرعية والصحية المراعية للاحتياطات كافة.. يكفي ما أهلهم فيه من عذاب وألم وحسرات. سامحكم الله يا أهل البهو.. قدمتم مثالا مأساويا لقرية ظالمة.
تحية لقرار محافظ الدقهلية دكتور أيمن مختار بإطلاق إسم الدكتورة سونيا على إحدي مدارس القرية تخليدا لذكراها وتكريما لعائلتها.. وجبرا للخواطر.