تداعيات كورونا وإحياء مبادرات الخير
لأسباب مختلفة؛ أبرزها هجمات إعلامية على عملها؛ تراجعت الثقة فى نشاط مؤسسات المجتمع المدني وتأثر معدل إقبال المواطنين على المشاركة بفعالياتها، ومعها خسر المجتمع جزءا من قدرته على معالجة أزماته بطريقة منظمة ورؤي وخطط موازية لجهود الحكومات المتعاقبة.
ورغم وجود أكثر من 50 ألف جمعية ومؤسسة أهلية تقريبا؛ إلا أن نشاط الأقدر منها على تصميم وتنفيذ حملات تبرعات جمع المال برعاية ومشاركة نجوم المجتمع، جعلها تلفت الانتباه وتجذب متفاعلين معها، فيما لم تتضح تماما رؤية الإدارة الجديدة لمؤسسات تكافلية سبق لجماعة الإخوان السيطرة عليها؛ قبل صدور حكم قضائي عام 2013 بالتحفظ عليها وإدارة لجنة تتبع الحكومة لأموالها.
فى هذا المناخ؛ حضرت الأزمة الحالية بتداعياتها الإقتصادية على المستوى الاجتماعي؛ والتى باتت صعبة مع توالي أيام تطبيق الحكومة إجراءات إحترازية لمواجهة انتشار فيروس كورونا؛ ما دعا قوى مجتمعية وأفراد إلى التفكير فى مواجهتها بطرق غير تقليدية، فظهرت مبادرات شبابية نوعية؛ ومعها أساليب غير متوقعة للحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار والضمان الاجتماعي لفئات تتأثر بالأزمة.
اقرأ ايضا: ماذا تريدون من 15 مليون "جنة"؟
دعاني لرصد بعضها ما تلقيته خلال الساعات الأخيرة من إتصالات لقيادات جمعيات أهلية تأثرت تبرعات واردة لبسطاء عبر إداراتها؛ مطالبة بضرورة توجيه الأفراد صدقاتهم وزكاتهم؛ مع التبكير بزكاة الفطر، إلى الفئات الأشد احتياجا، لتلحق بفرصها فى الحد الأدنى من الكفاف خلال الشهر الكريم، على أن يخصص شباب الأحياء الواقعة في نطاق مقار تلك الجمعيات جزءا من وقتهم لتوحيد جهود التكافل الاجتماعي بين الأسر داخل محيطها الضيق.
كذلك يفعل آخرون من الأصدقاء أصحاب الاستثمارات المحدودة فى محال المأكولات بمدينة السادس من أكتوبر، فجهزوا لتجربة "وجبات الخير"؛ التى يستهدفون بها خفض قوائم أسعار الأطعمة خلال الأيام المقبلة وتخصيص مبالغ لا تقل عن خمسة جنيهات من سعر كل وجبة للتبرع بها للبسطاء وإيداعها الصناديق التى خصصتها الدولة ومؤسساتها للتبرع لمواجهة تداعيات كورونا أو تلقي أموال الزكاة، على أن يجرى تشغيل الشباب القاطنين في محيط هذه المحال فى عملية إعداد تلك الوجبات، وأكثرهم من طلاب الجامعات والعمالة غير المنتظمة المضارة من توقف النشاط الاقتصادي جزئيا.
أطفال الشقاق وقرار وزير التعليم
حتما؛ ستختفي التجمعات المصاحبة لمظاهر الصوم ومنها الموائد الرمضانية؛ مع بقاء الأزمة، وبديلها المتوقع هو إعداد وتوزيع الوجبات الغذائية على عابرى السبيل والأسر البسيطة فى منازلها، على أن يقترب المقتدرون بصدقاتهم وزكاتهم وتبرعاتهم أكثر ممن يعرفونهم أولا، وهى فرصة لفرز شريحة المحتاجين المتزايدة خاصة فى المواسم والأعياد الدينية؛ وتجنيب طائفة محترفي التسول على المشاع.
سيكون بمقدور مجتمعاتنا المحلية المحدودة أن تجرى تجارب جديدة قديمة تستعيد بها روح وقيمة وإنسانية التكافل، لنجد أعياد المصريين كافة تملؤها البهجة ولا يعوقها شعور بالحاجة، وسيكون القليل سببا فى إسعاد كثيرين فى هدوء ودون مزايدات أو لافتات أو ضجيج.
اقرأ ايضا: تحرير عقود الزواج هل يصبح حلا؟
أتوقع سبعة أسابيع مقبلة أكثر إنسانية فى جوهرها ولو اختفت مظاهر العبادات لاحتياطات وإجراءات إحترازية لحماية وسلامة الأفراد، وأظن أن الأزمات كثيرا ما وجدت المصريين أوسع خيالا وإبداعا فى مواجهتها، ولتكن البداية فكرة راقية و نية طيبة لإنجازها بحب لشعب يجد نفسه على جبهة واحدة مجددا؛ لكن فى مواجهة عدو غير مرئي؛ لا يميز بين ضحاياه.