أطفال الشقاق وقرار وزير التعليم
أزمات وزارة التربية والتعليم في مصر لا تتوقف عند مستوى الطلاب والمناهج وتدنى أجور المعلمين وتسريب الامتحانات أحيانا؛ وغيرها؛ لكن هناك أزمة إدارة رصدتها الأسبوع الماضي واقعة أكثر دلالة على أن قرارات الوزير نفسه غير مفعلة وتقبل تأويلا.
الأمر هنا؛ يتعلق بالقرار الوزاري رقم ٣٥٦ لسنة ٢٠١٨ المحدد للفئات المستحقة للإعفاء من المصروفات الدراسية وبينهم أبناء الشقاق، وتطبقه إدارات التجريبيات ببعض المحافظات ولا يعترف به موظفو مدارس مماثلة بمديريات أخرى؛ ويحيلون تفسيره إلى هواهم أو طبقا لمصالحهم؛ ولا يظهرون لوائح أو قرارات أخرى تلغي قرار الوزير المعلوم للكافة.
نهاية الأسبوع الماضي استقبلت المحامية "ف" والدة الطفلة "ت" التلميذة بالصف الأول الابتدائي بإحدى المدارس التجريبية المتميزة بمركز تمى الأمديد بالدقهلية؛ اتصالا من موظف المدرسة، يهددها بفصل ابنتها أو نقلها لمدرسة عادية مالم تحضر خلال ساعات لسداد المصروفات الدراسية عن العام الدراسي المنقضي، رغم أنها قدمت في أكتوبر ٢٠١٨ لإدارة المدرسة طلب إعفاء من المصروفات؛ لاستحقاق ابنتها؛ ابنة الشقاق.
قيمة المصروفات التي تقترب من ٢٠٠٠ جنيه؛ على خلاف تجريبيات أخرى بمحافظات القاهرة الكبرى لا تتجاوز مصروفاتها ٨٦٠ جنيها، لم تكن الأزمة؛ بقدر ما تمثلت في طريقة تعامل الموظف مع والدة التلميذة، "بنتك لا تستحق الإعفاء.. واللى مش معاه فلوس مش يجيب عياله عندنا".
مع محاولات الأم استيضاح الأمر من خلال مدير الإدارة التعليمية ومكتب المتابعة بالمديرية؛ لم يفدها مسئول برد شاف بشأن ما يعطل تطبيق القرار الوزاري، ولم يقدم لها إيضاحا بشأن نفاذه بتجريبيات أخرى في محافظات أخرى دون مدارسهم، ما زاد شكوكا حول نشاط وسبوبة التحويلات الصيفية وطرق إقصاء المستضعفين.
وما زاد الطين بلة؛ أن الأم التي اضطرت لسداد المصروفات الدراسية؛ فوجئت بالموظف المسئول يحصل منها على المبلغ المطلوب ويرجئ تسليمها إيصال السداد الرسمي إلى ما بعد عطلة عيد الأضحى، ما يرفع الشكوك بشأن إدارة العملية التعليمية إلى مستوى أكبر؛ يجعلنا نحن نتساءل معه عن كيفية التعامل مع المال العام داخل كيانات تبدو غائبة عن رقابة ومتابعة الوزارة، ومعها ترتفع معدلات الشكوك في مقابل زيادة مماثلة للثقة بالوساطة على حساب الحق المكفول بالدستور والقانون والقرارات الوزارية.
لم يكن أمام أم التلميذة بعد اصطدامها بحالة التكاسل والتراخي في العمل من قبل مسئولي التعليم بالدقهلية؛ سوى أن رفعت شكواها لرئيس مجلس الوزراء ووزير التربية والتعليم عبر منظومة الشكاوى الحكومية الإلكترونية، مطالبة بالتحقيق في الواقعة وتقديم إيضاحات بشأن القرار الوزاري والفئات المستهدفة به؛ ومحاولة موظف المدرسة إهانة تلميذة لا ذنب لها في تصنيفها اجتماعيا بقرار منعدم أثره معها.
الأزمة تتكرر سنويا مع ملايين التلاميذ أبناء الشقاق؛ ومعها يمتنع المشرع عن القبول بحل سهل وواقعى يمنع تردد مطلقات على المحاكم سنويا طلبا لما أنفقنه وسددنه من مصروفات دراسية عن عام سابق، تستمر دعاواهن أمام القضاء لعامين على الأقل؛ تنعدم بعدهما قيمة المبالغ المطالب بسدادها الأب.
يستطيع المشرع أن يضع الحصان أمام العربة؛ ويقدم حق الكيانات التعليمية في تحصيل المصروفات الدراسية من الأب مباشرة ويجعلها خصما له حال امتناعه، في إطار تطبيق ولاية تعليمية مشتركة، ويمكن بهذا النظام تفعيل دور الإخصائيين الاجتماعيين والنفسيين في توطيد علاقات أطفال الشقاق بآبائهم؛ من خلال تشكيل لجان مدرسية مهمتها تقديم حقوق الطفل في بقية النفقات الدراسية وديا مع الأب الولى الطبيعي عليه؛ ودون تدخل الأم تجنبا للد خصومتها واستغلالها للطفل في مكايدة مع الأب؛ أو إظهارها بصورة الضحية الباحثة عن استعادة حقوق ونفقات قامت بأدائها عنه لصالح الطفل حتى يحكم القضاء لها بقيمتها؛ كما تتيح هذه الطريقة تقديرا واقعيا لنفقات حقيقية يسددها الأب بنفسه لابنه.
أما القرار الوزاري؛ فلا يليق بمقامه ألا يستطيع مدير عام تقديم تفسير بشأنه لأمهات تلاميذ حددهم القرار وخصهم بالإعفاء، أو أن يشملهم دون تفعيل فتبدو الوزارة وكأنها تاجرت بأوضاع أطفال الشقاق الاجتماعية وصنفتهم كفئة متدنية تسحقها كلمات موظفين لا يعرفون مهامهم ولا يراعون أخلاقا عند التعامل مع حقوق الطفل.