قانون "أبو شقة".. وجنيهاته الخمسة
هل تبرعات أثرياء حزب الوفد بالملايين "حلال على بيت الأمة حرام على مصر"؟!.. سؤال أطرحه على رئيس حزب الوفد، ورئيس لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب المستشار بهاء أبو شقة بعدما أعلن أمس اعتزامه التقدم للبرلمان بمشروع قانون قريبا يلزم المواطنين بالتبرع لصندوق "تحيا مصر"..
وينص حسبما قال، على تبرع من يزيد راتبه أو دخله أو أيًّا كان مصدر هذا الدخل عن خمسة آلاف جنيه بنسبة 5%، ومن يزيد راتبه على 10 آلاف جنيه بنسبة 10%، ومن يزيد راتبه على 15 ألف جنيه بنسبة 15%، ومن يزيد راتبه عن 20 ألف جنيه بنسبة 20%"، لماذا يجيء الرجل على المواطنين الغلابة؟! ولماذا لم يطلب من أثرياء حزبه الذى يرأسه التبرع لمصر؟!.
المستشار الجليل أبو شقة كرر كلامه أمس عن مشروع القانون المزعوم فى أكثر من موقع إخباري وقناة فضائية، وكأنه يقرأ من ورقة مما يؤكد فرضية سبق الإصرار وليس "زلة لسان"، على غرار تصريحه السابق منذ نحو عام ونصف فى عز أزمة الغلاء الفاحش التى سببها قرار تعويم الجنيه فى مصر، خلال لقائه مع جمعية المراسلين الصحفيين الأجانب في مصر عندما قال: "المواطن المصري تكفيه ٥ جنيهات غدا وعشا".. وهو التصريح الذى أصدر حزب الوفد وقتها بيانا لم ينفه لكن اعتبره جاء فى سياق "مزحة" مع مراسل وكالة أنباء الهند.
اقرأ أيضًا:
المستشار أبو شقة صاحب مشروع القانون قيمة قانونية وقامة دستورية لها كل الإجلال والتقدير والاحترام من الجميع، فقد أدار أول جلسة فى برلمان 30 يونيو باعتباره أكبر النواب سنًّا وينتمى لعائلة قانونية كبيرة من أسيوط، وترافع فى عشرات القضايا التى أثارت الرأى العام وعلى رأسها "حادث فتاة العتبة"، وقضية اللحوم الفاسدة سنة 1966..
وكنت أنتظر أن يستبق رئيس الوفد كلامه عن مشروع القانون المعتزم بأن يتخذ زمام المبادرة ويجعل من نفسه قدوة ويعلن تبرعه براتبه من البرلمان الى الأبد، أو على الأقل لمدة 3 اشهر مثلا لمصابى كورونا فى مصر، أو أن يعلن عن تبرع أعضاء البرلمان بثلاثة أرباع أو حتى نصف مرتباتهم، لكن ذلك لم يحدث، وكأنهم على رأسهم ريشة أو منزهين عن التبرع لبلادهم فى أزماتها، ثم أين تبرعات أعضاء حزب الوفد التى تدفقت على "بيت الأمة" خلال انتخابات الحزب الأخيرة بالملايين.
لماذا يتناسى المستشار بهاء الدين أبوشقة أن أول تصريح أدلى به عقب فوزه في انتخابات رئاسة الوفد هو: «الطبقات الكادحة خط أحمر»؟!، هل لايعلم أن العمال والموظفين الغلابة الذين يتقاضون رواتب دون الخمسة آلاف جنيه هم من الطبقات الكادحة؟!، أم أن كلام ووعود الانتخابات تتبخر مع أول ضوء نهار؟!، وهل تناسى أن الدفاع عن الطبقات الكادحة والمتوسطة أحد المبادئ التى أرساها الزعيم مصطفى النحاس رئيس الحزب الذى يرأسه أبو شقة الآن؟
اقرأ ايضا: اتبرع ولو بمليون جنيه
مثل هذا الكلام عن مشروع القانون كان يمكن أن يلقى قبولا لو أن المستشار أبو شقة استبدل كلمة المواطن بكلمة رجال الأعمال أو الأثرياء أو الفنانين أو المطربين أو المقتدرين، وكان يمكن أن يلقى تشجيعا لو أنه ضرب أرقام الرواتب التى ذكرها فى عشرة أضعاف، فربما لايعرف سيادته أن تعويم الجنيه فى ديسمبر 2016 أحدث انقلابا فى كثير من منظومة القيم المجتمعية والمادية فى مصر..
وأن راتب العشرة آلاف جنيه أصبح لايكفى النفقات الضرورية والأساسية لأسرة من خمسة أفراد، وأن من يبلغ دخله 5 آلاف جنيه أصبح من الفقراء الذين تجوز عليهم الزكاة، وأنا مثل غيرى على يقين أن مثل هذا الكلام المستفز سيكون مثل غثاء السيل، لن يلقى قبولا من أحد، لأنه بالبلدى كدة "جاى على الغلابة" ولايقبله عقل أو منطق.
نعم – كما ذكر أبو شقة – تم بعد نكسة 67 إنشاء صندوق لدعم المجهود الحربي على غرار "صندوق تحيا مصر" حاليا، لكن موارده الأساسية لم تكن من تبرعات الغلابة، بل من حفلات أم كلثوم التى وافقت على أن تذهب كل أموالها إلى المجهود الحربي لمساعدة الجيش المصري على إعادة ترتيب صفوفه، فجابت العالم من شرقة لغربه وسافرت إلى فرنسا والكويت وتونس ودول أخرى كثيرة لتغنى ودعت القادرين -وليس الغلابة- فى مصر وخارجها للتبرع له اختياريا وليس إجباريا بقانون.
اقرأ أيضا:
وبناءً عليه أطالب، أنا المواطن عماد صبحى، البرلمان المصرى بإصدار قانون يلزم أعضاءه بالتبرع لمصر بـ 75% من راتبهم وقت الأزمات باعتبارهم من الأغنياء والميسورين؛ لما يتقاضونه من رواتب ومكافآت وحوافز وبدلات وسفريات وخلافه.
وبمناسبة الحديث عن الغلابة، فإننى لست ضد فكرة صرف 500 جنيه للعمالة المؤقتة أو عمال اليومية باعتبارها نبيلة فى حد ذاتها، لكن المبلغ الضئيل الهزيل "حاجة تكسف" باعتباره لايكفى لشراء كام كيلو لحمة بسعر هذه الأيام ولا لإيجار سكنه ولا لمصاريف أكله، علما بأنه لا يكفى وجبة فول كل يوم طوال الشهر..
وباعتباره أيضا يُصرف لمرة واحدة وليس بصفة مستديمة أو حتى لمدة مؤقتة 3 أشهر مثلا، الغريب أن وزارة القوى العاملة أعلنت عن طريقة التقديم على الـ 500 جنيه، لكنها لم تحدد موعد ولا مكان صرفها حتى أن العمال الذين تقدموا بطلبها دفعتهم الحاجة إلى التردد يوميا على أكثر من جهة حكومية فى هذه الظروف الصعبة للسؤال عن موعد الصرف، لكن لاأحد يجيبهم..
اقرأ أيضا:
بل إن البنك الأهلى – بعد أن ضاق بكثرة المترددين عليه للسؤال عنها - أصدر بيانا أكد أنه ليس الجهة المختصة بصرفها، مؤكدا أنه عند الإعلان عن تلك المنحة من قبل الجهة المعنية بها، لم يتم توضيح آلية صرفها.
كان من المفروض أن تحدد وزارة القوى العاملة مكان وموعد صرف هذا المبلغ بدلا من أن تريق ماء وجوه هؤلاء الغلابة، ثم ما الذى يمنع الوزارة من أن تعلن عن صرف 3 آلاف جنيه شهريا لمدة 3 شهور لهؤلاء العمال الغلابة مهما كان عددهم ومهما ارتفع الرقم الذى ستدفعه الدولة لهم.
الدولة لديها قاعدة بيانات عن كل مواطنيها ومحال سكنهم ووظائفهم وعائلاتهم وظروفهم الاجتماعية، فلماذا لايكون لديها قاعدة بيانات عن عمال اليومية حتى تصرف لهم منحة عندما يضارون بسبب ظروف قهرية مثل وباء كورونا؟!، لماذا تنفق الدولة ببذخ على مشروعات غير ذات جدوى الآن ثم تبخل على البسطاء والغلابة والمطحونين.؟!