أوعى تموت في زمن الكورونا
إذا جاك الموت يا وليدي. موت على طول.. أول مايجيك الموت.. إفتح، أول ماينادي عليك إجلح.. أنت الكسبان.
عمنا الأبنودي رحمه الله قال الكلام ده في زمن الموت الجميل، عندما كان هناك غسل، وصلاة على الميت، وجنازة، ودفن، ودعاء، صحيح إن الموت هو الحقيقة الأزلية الوحيدة والدائمة، وصحيح أيضا إنه ينبغي علينا أن ندركه بشجاعة الرجال، لكن هل يمكن أن نبتهج بموت كموت زمن الكورونا؟
إن الموت ليس مخيفا، بل هو الوعد الحق الذي كتبه الله على كل الناس، ومع ذلك، فهناك ما هو اشد على النفس من الموت، أن يطلب أب أو أم بكل تضرع وألم توديع أولادهم وهم على فراش الموت، ويرفض الأبناء توديعهم خشيه العدوى بكورونا.. هذا أشد وأقسى من الموت، أن يضطر الأطباء فصل جهاز التنفس الصناعي عن عجوز، لإعطائه لشاب صغير لأنه أولى منه بالحياة، فهذا أقسى من الموت..
اقرأ ايضا: فاتورة الأمن والاحتفالات غالية أوي
أن يقوم أب بالانتحار وإنهاء حياته خوفا من أن ينقل العدوى إلى أبنائه، فهذا أقسى من الموت. هذا عمن أصابه المرض اللعين الذي فاق كل الأمراض شراسة . أما من لم يصيبه فيروس كورونا وجاءه الموت بغته..
فيعني أن تموت ولا أحد يصلي عليك، ربما تم التجاوز عن عدد صغير من الناس لا يتعدى أصابع اليد الواحدة، ولن يدخل جثمانك بيت الله، في آخر رقدة له طلبا للرحمة، بل الصلاة عليك في بيتك، وربما في حجرة نومك بأمر من كورونا.
كم أنت قاسٍ يا كورونا، وها قد جاء يوم نترحم فيه على الموت أيام زمان.كما صرنا نترحم على كل معنى جميل غاب عن حياتنا، حياتنا التي تشمل معاشنا ومماتنا، كل هذه الحياة التي كان الموت فيها نعمة، نُغسل، ونُكفن، ويُصلى علينا صلاة جنازة تستجلب من الله الرحمة، تلهج فيها قلوب مئات المصليين بالدعاء لنا، والعشرات يتسابقون لحملنا على الأعناق، ووراءهم مئات المشيعين يوحدون الخالق في مشهد مهيب يشهده كل الخلائق..
اقرأ ايضا: اللواء "أبو ليمون" محافظ المنوفية.. هذا رجل يصنع الفارق
وساعة أن يأتي أجلك في يوم جمعة أو عيد، تكون بشرى وعلامة لرضا من الله، إذ يعني أن هناك آلاف المشيعين سيعطونك صوتهم بدعاء وترحم وذكر مكرمة لك، وعند الدفن تجد من يجري هنا وهناك ليستروا الأمانة، لتوارى الثرى إلى مثواها الأخير، ثم يكون آخر شىءمن نصيبك هو الدعاء من أحبابك وأسرتك.
لشدَّ قسوة موت كهذا، موت يحمل معه ميتات كثيرة تقتلنا وتقتل من نحب بطعنة المرض الوبائي الذي يتلاعب بنا.
إننا نتضرع إلى الله أن يؤجل ساعتنا، ليس خوفا منها، وإنما عشم وطمع في لقاء ونحن على صدر الأحباب محاطون بدعواتهم وصلاتهم، فاللهم موت بطعم الحياة يا رب.