فاتورة الأمن والاحتفالات غالية أوي
استقبل المصريون عامهم الجديد وهم يحدوهم الأمل في استقرار الحال ودوام نعمة الأمن عليهم، بعد سنوات من الخوف مرت على البلاد. إن الشعور بالأمان وطرد الخوف من النفس هو أول شروط الاجتماع البشري، بل ويأتي في مرتبة أعلى من الطعام والشراب، وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز، في سورة البقرة «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ»، فقدَّم الخوف على الجوع، إذ إنه دون أمان على الأرواح وطمأنينة فلا حياة ولا مجتمع.
وبينما الأمر كذلك، يحق لنا الآن أن نسأل: من الذي دفع ثمن هذا الأمان الذي نعيشه ونشعر به كلنا اليوم؟ من الذي يُتِّمَت أطفالُه فداءً لحياة أبنائنا؟ ومن الذي حمل كفنه على يده وتقدم إلى خط النار ليحمي ظهورنا؟ من الذي جعل من جسده ساترًا لنا من رصاص الغدر كي لا يصيبنا وأطفالنا؟
إن الدور الذي لعبته أجهزة الشرطة وقواتنا المسلحة طوال السنوات الماضية لا يمكن أن ينكره إلا جاهل أو مكابر، أعمى البصيرة، فجهود رجال الشرطة على مستوى كل مديريات الأمن لم تقف عند مكافحة الجريمة فحسب، وإنما تعدت ذلك إلى اتخاذ كل التدابير الوقائية لمنع وقوعها، وفقًا للاستراتيجية التي اعتمدها اللواء محمود توفيق، وزير الداخلية، منذ أن تولى مسئولية أمن هذه البلاد.
اقرأ أيضا: جنازة الشهيد أحمد الشبراوي تتحول لمظاهرة ضد الإرهاب
إن ما نشعر به اليوم من طمأنينة وما نعيشه من أجواء الاستقرار الأمني، لم يكن ليحدث لبلد خرج لتوه من ثورة تغيرت فيها موازين القوى، وسقطت أنظمة سياسية عتيقة، وتبدلت رموز، وبرزت تحديات خطيرة، ليس أقلها مجموعة من قوى الداخل والخارج وجماعات المصالح والضغط، التي أخذت تتربص بهذا البلد من أجل إسقاطه، لولا الفاتورة التي دفعها رجال الشرطة وأبناء القوات المسلحة، حتى نستطيع أن نحتفل اليوم و«نهيص» بليلة رأس السنة، ونخرج لنلهو في الشوارع والمقاهي ودور السينما، بل وحتى الصلاة في بيوت الله ودور العبادة بأمان وسلام.
كل هذا لم يكن ليحدث لولا «رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا»، وبينما ننعم اليوم بساعات من السكينة والأمان، كان هناك رجال يدفعون الثمن غاليًا وعزيزًا من دمائهم وأرواحهم ومستقبل أولادهم، كان الثمن في كل حادث إرهابي غادر هو قطعة من أجساد هؤلاء التي كانت كالساتر الحديدي بين رصاص الإرهاب وحياتنا، بُترت فيها السيقان والأذرع، وصُفيت العيون وسملت، ولم يقف الأمر بهم عند هذا الحد، بل يُتمت أطفالهم، وترملت نساؤهم، وثكلت أمهاتهم، وما فعلوا كل هذا إلا من أجل أن تمر هذه البلاد من كبوتها في سلام، لا يعكر تراب أرضها غدر ولا شر، بعد أن أقسم الرجال على حماية التراب الطاهر لكل شبر في بلادنا.
وبنظرة سريعة نستطيع أن نقف على الثمن الباهظ الذي دفعه رجال الأمن من دمائهم وأرواحهم في سبيل واجبهم نحونا، ففي 19 أغسطس من عام 2013 وقعت «مذبحة رفح الثانية»، التي أودت بحياة 25 ضابطًا وجنديًّا، وفي 22 أكتوبر 2016، استشهد العميد عادل رجائي، قائد الفرقة التاسعة المدرعة بشمال سيناء، بعد استهدافه على يد مسلحين أثناء خروجه من منزله، وفي 14 أكتوبر 2016، قامت مجموعة مسلحة من العناصر الإرهابية بمهاجمة «كمين زقدان» بشمال سيناء، وتمكنت قوات الجيش من إلحاق خسائر في صفوف الإرهابيين وقتل 15 وإصابة العديد منهم، وأسفرت الاشتباكات عن استشهاد 12 وإصابة 6 من أبطال القوات المسلحة، وفي 15 أكتوبر 2017، نجحت قوات إنفاذ القانون في التصدي لمحاولة إرهابية فاشلة لاستهداف نقاط تأمين بمنطقة القواديس في شمال سيناء، أسفرت عن مقتل 24 فردًا إرهابيًّا واستشهاد 6 أفراد من القوات.
واقرأ أيضا: محافظ القليوبية الجديد.. لا جديد
وفي 16 يناير 2017، لقي اثنان من الإرهابيين مصرعهما، واستشهد 8 من قوات كمين النقب، عقب قيام مجموعة إرهابية بمهاجمة الكمين الذي يقع على بعد 80 كيلومترًا من مدينة الخارجة، وفي 9 يناير 2017، تمكنت الأجهزة الأمنية بشمال سيناء من التصدي لهجوم إرهابي مسلح شارك فيه نحو 20 عنصرًا مسلحًا حاولوا اقتحام كمين «المطافئ» بالعريش، مما أسفر عن مصرع 5 إرهابيين وإصابة 3 آخرين، واستشهاد 7 من رجال الشرطة بالإضافة إلى أحد المواطنين.
وفي عام 2019 أصبحت أذرع الإرهاب قليلة الحيلة، فلم ينجحوا سوى في تنفيذ عملية تفجير في حي الدرب الأحمر، أسفرت عن استشهاد 3 من عناصر الشرطة، وعندما يئس المجرمون من استهداف أكمنة الشرطة وارتكازات الجيش، تحول حقدهم في عام 2019 إلى جريمة نكراء يندى لها جبين الشرفاء، عندما هاجموا معهد الأورام، في شارع قصر العيني، الذي راح ضحيته 19 شخصًا وأصيب 30 آخرون.
إن ما فعله أبطالنا من أبناء القوات المسلحة والشرطة ليست بسالة وفروسية بجديدتين ولا غريبتين عليهم، وهم الذين اعتادوا التضحية وحمل الأمانة على أكتافهم، والصبر على المعارك الطويلة، وها هم أولاء قد نذروا أنفسهم وأرواحهم على طول الجبهات الداخلية والخارجية، فكافحوا الانفلات والجريمة وتصدوا للاختراق والتخريب.
إن أكثر ما يدل على ذلك ما دأبت عليه أجهزة وزارة الداخلية خلال الفترة الماضية من متابعة كل صغيرة وكبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، بخاصة موقع «فيسبوك» والتحقيق في البلاغات التي يتقدم بها مستخدموه حول بعض الوقائع التي تهدد الأمن العام، ولا تكاد تمر ساعات إلا وتصدر الداخلية بيانًا بالتحقيق في البلاغ المنشور وتوضيح ملابساته، بالإضافة إلى الجهود المبذولة يوميًّا في الشارع من أجل مكافحة الجريمة وإعادة الانضباط على مستويات كل الإدارات من الأمن العام مرورًا بمكافحة المخدرات والهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر ونشاط أجهزة البحث الجنائي بكل المديريات، وصولًا إلى إدارات المرور والتموين والغش التجاري والنقل والمواصلات، ما يعكس حرص الوزارة على بناء جسر من الثقة مع المواطنين الذين تحملت مسئولية أمنهم وسلامهم.
فتحية لكل شرطي وعسكري على الحدود وفي الميادين من أبناء الشرطة والجيش.