رسالة إلى الرئيس
بعد العاشرة من مساء أمس غادرت مكتبى إلى المنزل بعد يوم عمل شاق ومجهد وطويل، شقت السيارة الطريق إلى المنزل مارا بكوبرى أكتوبر إلى منطقة وسط القاهرة إلي ضاحية المعادى حيث البيت الذي يأويني، خلت الشوارع تماما من كل مظاهر الفوضى التي تعايشنا معها لسنوات طويلة..
كل شيء يبعث على الهدوء والالتزام التام من شعب كانت الضوضاء جزءا من ثقافته، هدوء لا يبعث على الطمأنينة قدر إثارته لحالة من الرهبة والخوف والمجهول انتظارا لقدر لا نعرف منتهاه.
رغم نضارة وجه القاهرة التاريخية، ورغم الجمال البادى على أرصفة لم تكن تخلو من مئات المارة والمتسكعين والمشردين، ورغم هذا النظام البديع إلا أن شيئا ما يبعث على القلق والضجر والملل ومع كل ذلك ستظل دروس الفيروس العجيب تلقى بظلالها علي مستقبل الكون، وفي القلب منه القاهرة كواحدة من أقدم العواصم، فعلت كورونا به ما لم يستطع صاحب قرار أن يفعله، أعادت إليها الانضباط الذي يجب أن يستمر بعد انتهاء هذا الكابوس.
اقرأ أيضا: فساد "فاكسيرا" قضية أمن قومي
رسالتنا إلى السيد الرئيس وسط هذا الظرف الصعب الذي تتخذ فيه الدولة المصرية من الإجراءات والتدابير ما يجعلنا نرفع لها القبعة تقديرا واحتراما أن نستفيد من الدرس القاسي لهذا الحدث الجلل، وأن نفكر مليا قبل رفع الحظر نهائيا ليستمر هذا الإجراء على كافة الأنشطة غير الملحة من محلات ملابس وأحذية ومقاه تظل تضرب بفوضويتها عرض الحائط بكل القوانين والإجراءات اللازمة لانضباط ما عاد ترفيها ولا اختيارا.
لتبقى يا سيادة الرئيس إجراءات الانضباط مستمرة بعد الخلاص من هذا الكابوس المزعج، وتظل القاهرة كما كنا نراها في ثلاثينيات القرن الماضى، بهية، نضرة، نظيفة، تجوب سيارات غسيل الشوارع ميادينها وحواريها وأزقتها، ويفرض القانون على الجميع ولتبق الأنشطة الضرورية للحياة، وتغلق الأخرى في مواعيد تحافظ على صيرورة الحياة الهادئة، وتضيف إلى العاصمة وكافة عواصم المحافظات وجها حضاريا يليق بنا.
اقرأ أيضا: العزلة سر الانتصار على كورونا
لنطرد يا سيادة الرئيس كل عناصر الضجيج والتلوث والقذارة من حياتنا، وليبق قانون كورونا وما فرضه علينا رافدا إيجابيا، يقلل من حجم التلوث المفرط والفوضى التى أصبحت ثقافة تفرض نفسها على الجميع.. لتبق المدن كلها حية نابضة بما فرضته علينا ظروف لن ننتظر مثيلا لها حتى نعيد الانضباط للشارع المصرى الذي أصابه الخلل على مدار سنوات طويلة..
خصوصا وأن الظرف كشف المعدن الأصيل للشعب الذي يرغب في الالتزام طالما كان ذلك ضروريا، وكشف أن لدينا أجهزة قادرة على العطاء وفرض الانضباط وفي القلب منها جهاز الشرطة وما يبذله من جهود جبارة .
اقرأ أيضا: أمريكا- إيران.. والخطوط الحمراء
القضية الثانية يا سيادة الرئيس هي قضية الإنتاج والاكتفاء الذاتي وصيانة البلاد والعباد من طوارئ، ثبت منها إن الإنسانية بما وصلت إليه من مادية حقيرة باعت كل القيم المتعارف عليها في الأديان وفي كتابات المفكرين وفي التجارب التاريخية، وباعت الدول المتحالفة بعضها بعضا وبدا أن ما بعد كورونا سيكون مختلفا في ميزان القوى وعودة مركزية الدولة لتطرح نفسها بديلا واقعيا لحماية الشعوب من الكوارث، وبدا إن الصين قد رسمت ملامح جديدة لشكل القوى القادمة في إدارة عجلة الحياة الإنسانية.
الإنتاج بكل ما يحتاجه أصبح قرار حياة أو لا حياة.. بقاء أو عدم.. قوة أو انتظار مصير مجهول.. قدرة على استمرار روافدنا الحضارية أو نواجه اندثارا لا مفر منه.. الإنتاج والاكتفاء أصبحا هما المعنى الحقيقي للأمن القومى، وكل من يقاوم هذا الأمر يوضع في عداد الخونة القتلة الذين يخططون بليل ضد الوجود الإنساني المصري.