العزلة سر الانتصار على كورونا
العزلة لم تعد قرارا وطنيا يصدره حاكم ويغفله آخر، العزلة باتت فرضا وإجبارا إن لم تتخذه الدولة، فإن الآخرين اتخذونها، منعوا السفر إليهم وإليك، وحالوا دون التواصل الإنساني التلقائي، لكي تبقى على الأرض حياة للإنسان، فيروس حقير هز وجود الكرة الأرضية، شقلب كيانها، سيسقط الاقتصاد وينتشر الجوع، ستتساقط كيانات وتتداعى أمم، ويحبس الناس جبرا لا اختيارا، ليعلم الإنسان أنه خلق ضعيفا!!
هل أعددنا العدة؟! وهل اتخذنا من المواقف والقرارات ما يحمى شعبا هو الأقدم في الأرض؟! وهل لدينا من القدرات ما يجعلنا قادرين على العزلة المفروضة علينا بأصغر كائن يمكن تصوره ولايرى بالعين المجردة، كائن يهاجم الإنسان في وجوده؟!
أعتقد أننا قادرون بإذن الله على خوض هذه المعركة الشرسة، معتمدين على معدن هذا الشعب الأصيل، فالمهم أن تصدق النوايا، وأن نستعيد قدراتنا الحبيسة.. أن نثق في إمكانياتنا.
اقرأ ايضا: لماذا يجب أن نكره إسرائيل؟!
إن الهزة العنيفة التي تعرض لها شعب مصر مناخيا على مدار الأيام القليلة الماضية، أثبتت أن لدينا قدرات شعبية عظيمة، اهتمت بها وسائل الإعلام الأجنبية، في حين كانت وسائل الإعلام لدينا مشغولة بزواج أحمد أبو هشيمة!
الـ بى بى سى نقلت في تقرير متلفز وقائع نضال شباب مصريين لإنقاذ السيارات والغرقى في القاهرة الجديدة، وفضائية أخرى نقلت وقائع عزومة شباب بني سويف لركاب قطار توقف لديهم بسبب سوء الأحوال الجوية، وأخرى اهتمت ببسطاء على عربة نقل أصروا على سحب جثتين لرجلين ماتا صعقا بالكهرباء.
قائمة الصلابة الاجتماعية تطول وتتعدد، فشعبنا معروف بقدراته الكامنة التي تخرج في الوقت العصيب، في حرب أكتوبر تاب اللصوص وامتلأت خزانات الدم في بنوك الدم المصرية، وتبرعت النساء بذهبها، وقام الفنانون والكتاب والبسطاء، بما لم يطلب منهم، زاروا جبهة القتال وقدموا الدعم للأبطال، ونحن في حرب ضروس الآن، القاتل فيها مجهول، متخفى، يهاجمنا من حيث لا نراه يبتغى النيل من الأحباب والأهل والبلد.
اقرأ ايضا: سد النهضة.. من المراوغة إلى المواجهة
الحكومة وحدها ستفشل لا محالة وفشلها لن يكون عن ضعف ووهن، ولكن الغول الساكن بيننا أظهر توحشا دفع أمريكا، بكل ما أوتيت من قوة أن تعلن أن قدراتها الصحية أقل من المواجهة، بريطانيا التي كانت عظمى انكمشت وأعلنت أنها قد تتركه يصيب ٦٠ بالمائة من سكانها لخلق حالة مقاومة جماعية، إيطاليا الأوروبية لا تستقبل في المستشفيات إلا المشرفين على الموت وتترك الباقى لقدرهم.
اجتماع طارئ للحكومة لابد وأن يحدث الآن لإعلان حالة التأهب القصوى، زيادة عدد الأسرة في غرف الإنعاش أمر حتمى، تحول مراكز الشباب إلى مراكز إيواء قد يصبح ضرورة، تدريب قطاعات من الشباب على الإنقاذ والتعامل مع الأمر قد يكون أمرا محمودا تخفيف حدة الزحام في المصالح الحكومية قد يصبح واجبا،عمل المؤسسات بنظام اعمل عن بعد أمر ممكن وجائز، تغيير السلوكيات في البيوت وإغلاق المقاهى قرار صحي بالدرجة الأولى.
اقرأ أيضا: العثمانية الجديدة.. فاشية العهد القديم
الاعتماد على الشعب في هذه المعركة ليس اختيارا، وتجهيز ربة الأسرة المصرية على الاقتصاد في كل شيء قد يمنحنا القدرة على الاحتمال لفترة أطول، إيقاظ الدفين فينا من قيم أصيلة ومتجذرة في الأعماق لم يعد رفاهية، الشعب مع الحكومة والإرادة والهدوء أمور كلها تصب في صالح الحرب الضروس.
الإيطاليون تعلموا من سكان ووهان كيف يغنون وقت المحنة، شبابيك المدن المحاصرة في إيطاليا تحولت إلى عازفين ومغنين يمنحون الناس أملا في الحياة وقدرة على المواجهة، باختصار: الحرب داخل البيوت، ولا مناص من المواجهة التي نرى أن قدراتنا وإيماننا بالله عز وجل وكوامن شعبنا سيهزم هذا المهاجم الشاذ ويولى الدبر!!