تأملات فى مشاعر افتراضية قبيل القيامة
بالطبع لا أحد يعرف موعد الصعود الجماعى المزلزل الصاعق إلى السماء.. وقد دكت الأرض دكا.. ونسفت الجبال نسفا.. وأخرج ما في القبور.. لا أحد يعلم بالقطع إلا صانع الكون وخالقه الله العلى الأعظم.
يترتب على هذه المسلمة الغيبية اليقينية بقلب كل مؤمن أن تأتى سلوكيات الناس متفقة مع فكرة الرحيل المحتمل، ومع الرحيل المحتمل هذه سيأتى الحساب المؤكد. ولأن هناك حسابا مؤكدا ولأن المحاسب هو الله، فإن الجزاء إما الجنة أو الجحيم.
الطيب الشريف العفيف النظيف المتسامح المتسامى يساق إلى الفردوس.. والخبيث المكير اللئيم يلقى به من نواصيه فى جهنم.
هل فيما قلت آنفا أي جديد؟. كلا . ألبتة!
اقرأ أيضا: مجلس إدارة الفوضى
لكن ما نتلوه لاحقا هو المدهش والباعث على أن المؤمنين من المصريين، وبخاصة من التجار والباعة والمهنيين، ليسوا على يقين من احتمالية الرمى فى نارجهنم . فيهم، من يصلى الفجر، ويرى نذر الزلزال الأعظم، ويسرق الناس فى احتياجاتهم الضرورية. تعيش البشرية هذه الأيام سنوات من الخوف ومن القلق.
إنه كابوس مخيم مقيم فوق الصدور. حالة من عدم اليقين فى الغد. عادة لا يكترث الشخص لحظة الاحتضار ولو بخزينة المركزى المصرى.. عمره انقضى، وشأنه لحظة الموت شأن التارك الكاره القرفان.. فقد رأى اليوم ما أخفاه عنه غطاؤه. انكشف الغطاء وانحطت قيمة الممتلكات والمطامع.. عادة هذا ما يحدث.. إلا أنه يجب الاعتراف بأن المؤمن المصرى المحتضر واللا محتضر، يتمتع بخاصية الوهم الحقيقي..
إذ يتوهم أن بوسعه أن يحتال وأن ينصب على السماء، وأن الملكين عتيد ورقيب لايريانه، أو أنهما سيغمضان العيون عن سفالته حين يسرق وحين يبتز وحين يخفى مستلزمات النجاة من كورونا وفصائلها وأسرابها.
اقرأ أيضا: حاكموهم.. فيروس الحماقة والعمالة!
المؤمن المصرى يصلى الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء وقيام الليل والسنة والنوافل، ويقرأ القرآن ويحبس بالأوراد.. ثم يسرقك فى إزازة سبرتو.. ومطهرات.. ومواد غذائية يضاعف سعرها أضعافا.
كيف يستقيم هذا السلوك المؤدى إلى الجحيم مع سلوك شخص كان راكعا ساجدا داعيا الله أن يرزقه الرزق الحلال.
تلك هى المفارقة القاسية الموجعة حقا. إن البشرية كلها اليوم تحت غضب الله ورحمته؛ فقد عم الظلم وانتشر الفساد وطغى المتجبرون.. وازداد الملحدون.. وتعاظمت أعداد حاملى التوكيلات السماوية يفاوضون الناس على دينهم متحدثين باسم الله.
اقرأ أيضا: الكمامة.. والقمامة!
فيروس نانو... متناهى الضآلة، خفى مجهول، مدوخ ١٦٤ دولة حتى هذه اللحظة، وضرب ٢٠٠ ألف شخص جعلهم فى خانة المعرضين للموت، أما المتوفون فكانوا حتى أمس ٨٥٠٠ شخص . وتريليونات الدولارات خسائر ونحن بعد فى منتصف الكارثة الجلوبالية.
شخص. متوف . ميت . جثة . جثمان. هذه أسماؤنا الجديدة حين تخرج منا الروح بأمر ربها. فجأة ينسى الناس اسمى واسمك. لا محمد ولا هيثم ولا وائل حريقة.. ولا عبلة ولاعنتر ولا نورهان ولا رتيبة. بل جثة وجثمان وميت ومرحوم ومرحومة. سيبقى الاسم فقط محفورا بخط أسود ركيك على برواز رخامى مدفون فى الجبس علي يمين المقبرة.
هل اتعظ أحد؟هل توقفت السرقات والابتزازات والوساخات والحروب؟!
ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا... ويفعلون.. نعم هم فعلوها.. ونحن الجثامين!