الثقافة المهدر دمها
من يجلس فى الغرفة المظلمة ويتحكم فى المشهد مثل مسرح العرائس؟ الحقيقة يطاردنى هذا السؤال خاصة عندما تتضارب القرارات، لدرجة أننى أشك فى قواى العقلية لأنها لا تستطيع استيعاب ما يحدث من قرارات فى فترة من أصعب الفترات فى تاريخ مصر فى النصف قرن الأخيرة، نحن لا نواجه الكيان الصهيونى فى حرب جيوش، ولكن أخطر لأنها تجاوزت حروب الجيوش، هناك الإرهاب والفكر الرجعى وتراجع القيم.
منذ أربع سنوات ظهرت كتب الإخوان فى معرض الكتاب، وعندما سئل المسئول عن الهيئة، قال إنها حرية الفكر ومحاربة الفكر لا بد أن تكون بالفكر، وكان رده سقطة تعبر عن كارثة أن المسئول لا يستطيع التمييز بين اختلاف الأفكار وبين فكر الإرهابيين، وفى العام التالى فوجئنا بكتاب يسخر من الجيش المصرى.
اقرأ أيضا: وزارة الثقافة ونجيب الريحانى!
وهذا العام كان الكثير من الفضائح منها إشتراك ناشر كان على منصة الإخوان فى رابعة يحرض ضد مصر والجيش المصرى، وأيضا كتب الأطفال التى حملت صور الخيانة والجنس بحكايات قبل النوم، والمسئول جالس على مقعده، ولا مانع من استمراره طالما أنه عبقرى ولكن عليه أن يعتذر عن أخطاء محسوبة على الدولة المصرية وليس على أشخاص..
بالرغم من فشل الاحتفال بنصف قرن على معرض الكتاب وفشل أن يحمل المعرض اسم إفريقيا ولكن فى ظل الكذب والتضليل كله بيمر وكأن شيئا لم يكن!
اقرأ أيضا: التليفزيون المصرى دليل على تراجع الثقافة والصحة
منذ أيام صدر تشكيل لجان المجلس الأعلى للثقافة، كانت ثمانية وعشرون فأصبحت أربعة وعشرين، بعد تشكيل لجنة لتطوير اللجان، وللأسف لم يتم سوى إلغاء وإضافة وجمع وطرح وكله بلا معايير أو منطق، على سبيل المثال استحدثوا لجنة جديدة اسمها "لجنة محاربة الإرهاب والتطرف" وهذا دليل على سطحية التفكير..
إذ الوزارة وكافة الوزارت بل والدولة بكل أدواتها مسئوليتها محاربة التطرف والإرهاب، فكيف يتم اختزال محاربة الإرهاب فى لجنة لن تفعل شيئا أساسا؟ هذا على سبيل المثال، أما الاختيارات فحدث ولا حرج..
فلا مانع من الاستعانة بأسماء تمارس الدجل والتضليل من عشرات السنوات وحتى الآن.. وآخرين أفسدوا فى مواقعهم وابتعدوا من سنوات طويلة، فتم اختيارهم لتجديد فشلهم وفسادهم، وآخر يسخر من الأديان ويرى أن صلاة الرجل والمرأة جنبا إلى جنب أمر طبيعى وحضارى..
اقرأ أيضا: الأسرة المصرية.. والزواج «تيك أواي»!
ولكن المثير للعجب أنه تم إقالة أحد المديرين لأحد المواقع الثقافية، بناء على تقارير وردت لمكتب وزارة الثقافة بأنه يهاجم الدولة ورئيسها، ثم يفاجأ الجميع بأن هذا الشخص عضو فى أحد اللجان وبقرار من وزيرة الثقافة، أى تضارب هذا يا ربى؟ قراريان متضاربان من الوزيرة، لدرجة أن البعض تسأل: مصر تسير إلى أين؟!
الثقافة ليست كتابا أو قصيدة أو مؤتمرا للسرد وآخر للرواية وثالث للنقد، أو حتى للنخبة.. الثقافة حياة، الثقافة هى بناء للإنسان، بناء للوطن، السير فى الشارع ثقافة، أسلوب التفكير ثقافة، الزواج ثقافة، العمل ثقافة، النوم ثقافة، ممارسة الرياضة ثقافة، الثقافة فى الحياة بكل تفاصيلها.
اقرأ أيضا: البطل "فؤاد نصر" شهيد لا يعرفه أحد!
من هنا فى الوقت الذى أعلن الرئيس السيسى منذ أكثر من ثلاث سنوات أنه عام قصور الثقافة، إلا أن الوزارة وقفت عاجزة عن فعل أى شىء، ومنذ شهور أعاد الرئيس السيسى نفس الدعوة لإعادة الاعتبار لقصور الثقافة ودورها المهم فى تغيير وبناء الإنسان، ومع هذا لم يتغير شيئا حتى الآن، بالرغم من التصريحات التى لا تشبع أو تغنى من جوع.
والشىء بالشىء يذكر، عندما تم استحداث المجلس الأعلى للثقافة، كان الهدف منه وضع استراتيجيات للوزارة، فى كافة عناصر الأنشطة المختلفة، وبالتالى فهو أشبه بالمجلس المخطط والاستشارى للوزير، هذا الهدف تم دفنه تماما منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاما، ولم يعد المجلس يقوم بالدور الذى أنشئ من أجله، وبدأ يقوم بأدوار أخرى..
منها إقامة أنشطة لا يحضرها سوى أعضاء اللجان الذين يتبادلون الجلوس على المنصة، ويتبادلون التكريم، ولا مانع المنافع أيضا، وأصبح المجلس تقريبا لا حول ولا قوة، ولا بد أن نذكر أن الدكتور جابر عصفور هو الوحيد الذى نشط دور المجلس، وفيما عداه جميعهم موظفون لا حول لهم ولا قوة! وتحيا مصر العطشانة لروح ثروت عكاشة وجيل البنائيين!